أن يعرفوا أن هذه الذنوب العظيمة المتجاوزة عن الحد مغفورة إن تابوا وأن رحمته واصلة إليهم بعدها وأن لا ييأسوا من رحمته تعالى ما فرط منهم مع إصرارهم على ما هم عليه من المعاداة والمخاصمة الشديدة وهو كما ترى.
* (وقالوا ما لهاذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق لولاأنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) *.
* (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام) * الخ نزلت في جماعة من كفار قريش أخرج ابن أبي إسحق. وابن جرير. وابن المنذر. عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عتبة. وشيبة ابني ربيعة. وأبا سفيان بن حرب. والنضر بن الحرث. وأبا البحتري. والأسود بن المطلب. وزمعة بن الأسود. والوليد بن المغيرة وأبا جعل بن هشام. وعبد الله بن أبي أمية. وأمية بن خلف. والعاصي بن وائل. ونبيه بن الحجاج. ومنبه بن الحجاج اجتمعوا فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم عليه الصلاة والسلام فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا وإن كنت تطلب الشرف فنحن نسودك وإن كنت تريد ملكا ملكناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بي مما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله تعالى بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه على أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله عز وجل بيني وبينكم قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك فسل لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضلة تغنيك عما تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بي مما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله تعالى بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله عز وجل بيني وبينكم قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك فسل لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنا بفاعل ما أنا بفاعل بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت إلكيم بهذا ولكن الله تعالى بعثني بشيرا ونذيرا فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك * (وقالوا مال هذا الرسول) * (الفرقان: 7) الخ. وقد سيق هنا لحكاية جنايتهم المتعلقة بخصوص المنزل عليه الفرقان بعد حكاية جنايتهم التي تتعلق بالمنزل، وما استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه في محل رفع على الابتداء والجار والمجرور بعدها متعلق بمحذوف خبر لها، وقد وقعت اللام مفصولة عن هذا المجرور بها في خط الإمام وهي سنة متبعة، وعنوا بالإشارة والتعبير بالرسول الاستهانة والتهكم، وجملة * (يأكل الطعام) * حال من * (الرسول) * والعامل فيها ما عمل في الجار من معنى الاستقرار؛ وجوز أن يكون الجار والمجرور أي أي شيء وأي سبب حصل لهذا الزاعم أنه رسول حال كونه يأكل الطعام كما نأكل * (ويمشي في الأسواق) * لابتغاء الأرزاق كما نفعله على توجيه الإنكار والنفي إلى السبب فقط مع تحقق المسبب الذي هو مضمون الجملة الحالية. ومن الناس من جوز جعل الجملة استئنافية والأول ما ذكرنا، ومرادهم استبعاد الرسالة المنافية لأكل الطعام وطلب المعاش على زعمهم فكأنهم قالوا: إن صح ما يدعيه فما باله لم يخالف حاله حالنا وليس هذا إلا لعمههم وركاكة عقولهم وقصور أبصارهم على المحسوسات فإن تميز الرسل عليهم السلام عماعداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأمور نفسانية أعني ما جبلهم الله تعالى عليه من الكمال كما يشير إليه قوله تعالى: * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * (الكهف: 110) واستدل بالآية على إباحة دخول الأسواق للعلماء وأهل الدين والصلاح خلافا لمن كرهه لهم.