تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٤٣
بسند صحيح عن ابن عباس أنها تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. وأخرج ابن المنذر. وابن جرير. وغيرهما عن عبيد بن عمير أنه قال في قوله تعالى: * (سمعوا لها) * الخ: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي. وأخرج أبو نعيم عن كعب قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد فنزلت الملائكة صفوفا فيقول الله تعالى لجبريل عليه السلام: ائت بجهنم فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق ثم زفرت ثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه ثم تزفر الثالثة فتبلغ القلوب الحناجر وتذهل العقول فيفزع كل امرىء إلى عمله حتى إن إبراهيم عليه السلام يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي ويقول موسى عليه السلام: بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي ويقول عيسى عليه السلام: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي لا أسألك مريم التي ولدتني ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: أمتى أمتى لا أسألك اليوم نفسي فيجيبه الجليل جل جلاله إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم هم يحزنون فوعزتي لأقرن عينك ثم تقف الملائكة عليهم السلام بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون وهذه الأخبار ظاهرة في أن النار هي التي تزفر وأن الزفير على حقيقته.
وزعم بعضهم أن زفيرها صوت لهيبها واشتعالها، وقيل: إن كلا من الرؤية والتغيظ والزفير لزبانيتها ونسبته إليها على حذف المضاف ونقل ذلك عن الجبائي، وقيل: إن قوله تعالى: * (رأتهم) * من قوله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن والكافر لا تتراءى نارهما وقولهم: دورهم تتراءى وتتناظر كان بعضها يرى بعضا على سبيل الاستعارة بالكناية والمجاز المرسل، وجوز أن يكون من باب التمثيل، وأيا ما كان فالمراد إذا كانت بمرأى منهم، وقوله سبحانه: * (سمعوا لها تغيظا) * على تشبيه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وفيه استعارة تصريحية أو مكنية وجوز أن تكون تمثيلية، وقد دكر هذا التأويل الزمخشري مقدما له؛ وذكر بعض الأئمة أن هذا مذهب المعتزلة لأنهم جعلوا البينة شرطا في الحياة.
وفي الكشف الأشبه أن ذلك ليس لأن البينة شرط ومن أين العلم بأن بنية نار الآخرة بحيث لا تستعد للحياة بل لأنه لا بد من ارتكاب خلاف الظاهر من جعل الشيء المعروف جماديته حيا ناطقا فكان خبرا على خلاف المعتاد أو الحمل على المجاز التمثيلي الشائع في كلامهم لا سيما في كلام الله تعالى ورسله عليهم السلام وإذ لاح الوجه فكن الحاكم في ترك الظاهر إلى هذا أو ذاك، وفتح هذا الباب لا يجر إلى مذهب الفلاسفة كما توهم صاحب الانتصاف ولا يخالف تعبدنا بالظواهر فإن ما يدعونه أيضا ليس بظاهر انتهى، وأنت تعلم بعد الاغماض عن المناقشة فيما ذكر أن الحمل على الحقيقة هنا أبلغ في التهويل ولعله يهون أمر الخبر على خلاف المعتاد؛ وهذا إن لم يصح الخبر السابق أما إذا صح فلا ينبغي العدول عما يقتضيه وليس لأحد قول مع قوله صلى الله عليه وسلم فإنه الأعلم بظاهر الكتاب وخافيه.
* (وإذآ ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا) *.
* (وإذا ألقوا منها مكانا) * أي في مكان فهو منصوب على الظرفية و * (منها) * حال منه لأنه في الأصل صفة، وجوز تعلقه بألقوا.
وقوله تعالى: * (ضيقا) * صفة لمكانا مقيدة لزيادة شدة الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة وهو السر في وصف الجنة بأن عرضها السماوات والأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»