تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٤٤
سئل عن قوله تعالى: * (وإذا ألقوا) * الخ فقال: والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها تضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح.
وقرأ الكلبي: الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يحطهم الداخلون فيزدحمون، وقرأ ابن كثير * (ضيقا) * بسكون الياء.
* (مقرنين) * حال من ضمير * (ألقوا) * أي إذا ألقوا منها مكانا ضيقا حال كونهم مقرنين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالجوامع، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل كل كافر مع شيطانه وفي أرجلهم الأصفاد، وحكى عن الجبائي، وقرأ أبو شيبة صاحب معاذ بن جبل * (مقرنون) * بالرفع ونسبها ابن خالويه إلى معاذ، ووجهها على ما في البحر كونه بدلا من ضمير * (ألقوا) * بدل نكرة من معرفة * (دعوا هنالك) * أي في ذلك المكان الهائل * (ثبورا) * أي هلاكا كما قال الضحاك. وقتادة وهو مفعول * (دعوا) * أي نادوا ذلك فقالوا: يا ثبوراه على معنى أحضر فهذا وقتك، وجعل غير واحد النداء بمعنى التمني فيتمنون الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل أشد من الموت ما يتمنى معه الموت.
وجوز أبو البقاء نصب * (ثبورا) * على المصدرية لدعوا على معنى دعوا دعاء، وقيل: على المصدرية لفعل محذوف ومفعول * (دعوا) * مقدر أي دعوا من لا يجيبهم قائلين ثبرنا ثبورا وكلا القولين كما ترى، ولا اختصاص لدعاء الثبور بكفرة الإنس فإنه يكون للشيطان أيضا. أخرج أحمد. وابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. والبزار: وابن املنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في البعث بسند صحيح عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول من يكسي حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده وهو ينادي يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم حتى يقف على النار: فيقول يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم " الحديث، وفي بعض الروايات أن أول من يقول ذلك إبليس ثم يتبعه أتباعه، وظاهره شمول الاتباع كفرة الأنس والجن، ولا يتوهم اختصاص ذلك ببعض كفرة الإنس بناء على ما قيل: إن الآية نزلت في أبي جهل.
وأصحابه لما لا يخفى [بم وقوله تعالى:
* (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا) *.
* (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا) * على تقدير قول إما منصوب على أنه حال من فاعل * (دعوا) * أي دعوا مقولا لهم ذلك حقيقة كما هو الظاهر بأن تخاطبهم الملائكة لتنبيههم على خلود عذابهم وأنهم لا يجابون إلى ما يدعونه أولا ينالون ما يتمنونه من الهلاك المنجى أو تمثيلا لهم وتصويرا لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير أن يكون هناك قول وخطاب كما قيل أي دعوه حال كونهم أحقاء بأن يقال لهم ذلك، وإما لا محل له من الإعراب على أنه معطوف على ما قبله أي إذا ألقوا منها مكانا ضيقا دعوا ثبورا فيقال لهم: لا تدعوا الخ، أو على أنه مستأنف وقع جوابا عن سؤال مقدر ينسحب عليه الكلام كأنه قيل: فماذا يكون عند دعائهم المذكور؟ فقيل: يقال لهم ذلك، والمراد به إقناطهم عما علقوا به أطماعهم من الهلاك وتنبيههم على أن عذابهم الملجىء لهم إلى ذلك أبدى لاخلاص لهم منه على أبلغ وجه حيث أشار إلى أن المخلص مما هو فيه من العذاب عادة غير مخلص وما يخلص غير ممكن فكأنه قيل: لا تدعوا اليوم هلاكا واحدا فا لا يخلصكم * (وادعوا ثبورا) * وهلاكا * (كثيرا) * لا غاية لكثرته لتخلصوا به وأنى بالهلاك الكثير.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»