تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٤١
من أباطيلهم متعلق بأمر المعاد وما قبل كان متعلقا بأمر التوحيد وأمر النبوة ولا يضر في ذلك العود إلى ما يتعلق بالكلام السابق، واختلاف أساليب الحكاية لاختلاف المحكي، وما ألطف تصدير حكاية ما يتعلق بالآخرة ببل الانتقالية.
وقوله تعالى: * (وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) * الخ لبيان ما لهم مفي الآخرة بسبب أي هيأنا لهم نارا عظيمة شديدة الاشتعال شأنها كيت وكيت بسبب تكذيبهم بها على ما يشعر به وضع الموصول موضع ضميرهم أو لكل من كذب بها كائنا من كان وهم داخلون في ذلك دخولا أوليا، ووضع الساعة موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع، وهذا الارعتداد وإن كان ليس بسبب تكذيبهم بها خاصة بل يشاركه في السببية له ارتكابهم الاباطيل في أمر التوحيد وأمر النبوة إلا أنه لما كانت الساعة نفسها هي العلة القريبة لدخولهم السعير أشير بما ذكر إلى سببية التكذيب بها لدخولها ولم يتعرض للإشارة إلى سببية شيء آخر؛ وقيل إن من كذب بالساعة صار كالإسم لأولئك المشركين والمكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمكذبين بالساعة أي الجامعين للأوصاف الثلاثة لأن التكذيب بها أخص صفاتهم القبيحة وأكثر دورانا على ألسنتهم إذ من الكفار من يشرك ويكذب برسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يكذب بالساعة. فالمراد من يكذب بالساعة أولئك الصنف من الكفرة وهو كما ترى.
وقيل: إن قوله تعالى: * (بل كذبوا بالساعة) * عطف على قوله تعالى: * (قالوا ما لهذا الرسول) * الخ واضراب عنه إلى ما هو أعجب منه على معنى أن ذلك تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا تكذيب لله سبحانه. وتعالى ففي " صحيح البخاري " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك - إلى قوله تعالى - فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان " وظاهره أن أعجبية التكذيب بالساعة لأنه تكذيب لله عز وجل، وقال بعضهم: إن الأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله تعالى على الإعادة مع ما شاهدوه ففي الأنفس والآفاق وما ارتكز في أوهامهم من أن الإعادة أهون من الابداء وليس ذلك لأنه تكذيب الله عز وجل فإنهم لم يسمعوا أمر الساعة إلا من النبي صلى الله عليه وسلم فهو تكذيب له عليه الصلاة والسلام فيه، وأنت تعلم أن في لحديث إشارة إلى ما ارتضاه.
وقيل: اضراب عن ذاك على معنى أتوا بأعجب منه حيث كذبوا بالساعة وأنكروها والحال أنا قد اعتدنا لمن كذب بها سعيرا فإن جراءتهم على التكذيب بها وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها من أنواع العذاب أعجب من القول السابق. وتعقب بأنه لا نسلم كون الجراءة على التكذيب بالساعة أعجب من الجراءة على القول السابق بعد ظهور المعجزة ولا نسلم أن انضمام عدم الخوف مما يترتب عليه إذا كان ذلك الترتب في الساعة المكذب بها يفيد شيئا وفيه تأمل، وقيل: هو إضراب عن ذلك على معنى أتوا باعجب منه حيث كذبوا بالساعة التي أخبر بها جميع الأنبياء عليهم السلام فالجراءة على التكذيب بها جراءة على التكذيب بهم والجراءة على التكذيب بهم أعجب من الجراءة على القول الساقق. وتعقب بأن مرادهم من القول السابق نفي نبوته عليه الصلاة والسلام وتكذيبه وحاشاه ثم حاشاه من الكذب في دعواه إياها لعدم مخالفة حاله صلى الله عليه وسلم حالهم واتصافه بما زعموا منافاته للرسالة وذلك موجود ومتحقق في جميع الأنبياء عليهم السلام، فتكذيبه صلى الله عليه وسلم لذلك تكذيب لهم أيضا فلا يكون التكذيب بالساعة على ما ذكر أعجب من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لاشتراك التكذيبين في كونهما في حكم تكذيب الكل، وقيل: هو متصل بقوله تعالى: * (تبارك الذي إن شاء) * (الفرقان: 1) الخ الواقع جوابا لهم والمنبىء عن الوعد بالجنات والقصور في الآخرة مسوق لبيان أن ذلك لا يجدي نفعا على طريقة قول من قال:
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»