* (فما تستطيعون) * أي فما تملكون أيها العبدة * (صرفا) * أي دفعا للعذاب عن أنفسكم بوجه من الوجوه كما يعرب عنه التنكير أي لا بالذات ولا بالواسطة، وقيل: حيلة من قولهم: إنه ليصرف في أموره أي يحتال فيها، وقيل: توبة، وقيل: فدية والأول أظهر فإن أصل الصرف رد الشيء من حالة إلى أخرى وإطلاقه على الحيلة أو التوبة أو الفدية مجاز، والمراد فما تملكون دفعا للعذاب قبل حلوله * (ولا نصرا) * أي فردا من أفراد النصر أي العون لا من جهة أنفسكم ولا من جهة غيركم بعد حلوله، وقيل: نصرا جمع ناصر كصحب جمع صاحب وليس بشيء، والفاء لترتيب عدم الاستطاعة على ما قبلها من التكذيب لكن لا على معنى أنه لولاه لوجدت الاستطاعة حقيقة بل في زعمهم حيث كانوا يزعمون أنهم يدفعون عنهم العذاب وينصرونهم وفيه ضرب تهكم بهم، والمراد من التكذيب المرتب عليه ما ذكر تكذيبهم بقولهم إنهم آلهة، ويجوز أن يراد به تكذيبهم بقولهم: هؤلاء أضلونا وهو متضمن نفي كونهم آلهة وبذلك يتم أمر الترتيب.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وأكثر السبعة * (يستطيعون) * بالياء التحتية أي فما يستطيع آلهتكم دفعا للعذاب عنكم، وقيل حيلة لدفعه، وقيل فدية عنكم ولا نصرا لكم، وقيل في معنى الآية على تقدير كون الخطاب السابق للمؤمنين إنه سبحانه أراد أن هؤلاء الكفرة شديد والشكيمة في التكذيب الموجب للتعذيب فما تستطيعون أنتم صرفهم عنه ولا نصرا لكم فيما يصيبهم مما يستوجبه من العذاب هذا على قراءة حفص * (تستطيعون) * بالتاء الفوقية؛ وأما على قراءة الجماعة * (يستطيعون) * بالياء فالمعنى ما يستطيعون صرفا لأنفسهم عما هم عليه ولا نصرا لها فيما استوجبوه بتكذيبهم من العذاب أو فيما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه ولا نصرا لأنفسهم من العذاب انتهى وهو كما ترى * (ومن يظلم) * أي يكفر * (منكم) * أيها المكلفون ويعبد من دون الله تعالى إلها آخر كهؤلاء الكفرة * (نذقه) * في الآخرة * (عذابا كبيرا) * لا يقادر قدره وهو عذاب النار، وقرىء * (يذقه) * على أن الضمير لله عز وجل، وقيل: لمصدر يظلم أي يذقه الظلم والإسناد مجازي، وتفسير الظلم بالكفر هو المروى عن ابن عباس، والحسن. وابن جريج. وأيد بأن المقام يقتضيه فإن الكلام في الكفر ووعيده من مفتتح السورة، وجوز أن يراد به ما يعم الشرك وسائر المعاصي والوعيد بالعذاب لا ينافي العفو بالنسبة إلى غير المشرك لما حقق في موضعه. واختار الطيبي التفسير الأول وجعل الخطاب للكفار أيضا لأن الكلام فيهم من أول وقد سبق * (فقد كذبوكم) * وهذه الآية لما يجري عليهم من الأهوال والنكال من لدن قوله تعالى: * (إذا رأيتهم من مكان بعيد) * (الفرقان: 12) ومعنى * (ومن يظلم) * حينئذ ومن يدم على الظلم، وفي " الكشف " الوجه أن الخطاب عام والظلم الكفر * (ومن يظلم) * مظهر أقيم مقام المضمر تنبيها على توغلهم في الكفر وتجاوزهم حد الإنصاف والعدل إلى محض الاعتساف والجدل فيما رموا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الأصل فلا يستطيعون صرفا ولا نصرا ونذيقهم عذابا كبيرا أو نذيقكم على اختلاف القرائتين والحمل على من يدم على الظلم منكم ليختص الخطاب بالكفار صحيح أيضا ولكن تفوته النكتة التي ذكرناها انتهى. ولا يخفى أن كونه من إقامة المظهر مقام المضمر خلاف الظاهر فتأمل.
* (ومآ أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الاسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا) *.
* (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) * قيل هو تسلية له صلى الله عليه وسلم عن قولهم مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق بأن لك في سائر الرسل عليهم السلام