تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٣٤
شفاها عبدة الأصنام وأن الأحكام الآتية أوفق بها، نعم فيه تفسير الخلق بالافتعال كما في قوله تعالى: * (وتخلقون إفكا) * (العنكبوت: 17) لأنه الذي يصح نسبته لغيره عز وجل وكذا الخلق بمعنى التقدير كما في قوله زهير: ولأنت تفري ما خلقت وبع‍ * - ض القوم يخلق ثم لا يفري والمتبادر منه إيجاد الشيء مقدرا بمقدار كما هو المراد من سابقه، وتفيره بذلك أيضا كما فعل الزمخشري بعيد كذا قيل: وتعقب بأنه يجوز أن يراد منه هذا المتبادر والأصنام بذواتها وصورها وأشكالها مخلوقة لله تعالى عند أهل الحق لأن أفعال العباد وما يترتب عليها وينشأ منها من الآثار مخلوقة له عز وجل عندهم كما حقق بل لو قيل بتعين هذه الإرادة على ذلك الوجه لم يبعد، وقوله تعالى: * (ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا) * لبيان حالهم بعد خلقهم ووجودهم، والمراد لا يقدرون على التصرف في ضر ما ليدفعوه عن أنفسهم ولا في نفع ما حتى يجلبوه إليهم، ولما كان دفع الضر أهم أفيد أو لأعجزهم عنه، وقيل: * (لأنفسهم) * ليدل على غاية عجزهم لأن من لا يقدر على ذلك في حق نفسه فلأن لا يقدر عليه في حق غيره من باب أولى. ومن خص الأحكام في الأصنام قال: إن هذا لبيان ما لم يدل عليه ما قبله من مراتب عجزهم وضعفهم فإن بعض المخلوقين العاجزين عن الخلق ربما يملك دفع الضر وجلب النفع في الجملة كالحيوان، وقد يقال: التصرف في الضر والنفع بالدفع والجلب على الإطلاق ليس على الحقيقة إلا لله عز وجل كما ينبىء عنه قوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) * (الأعراف: 188) وقوله تعالى: * (ولا يملكون موتا ولا حي‍اوة ولا نشورا) * أي لا يقدرون على التصرف في شيء منها بإماتة الأحياء وإحياء الموتى في الدنيا وبعثهم في الأخرى للتصريح بعجزهم عن كل واحد مما ذكر على التفصيل والتنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على جميع ذلك، وتقديم الموت لمناسبة الضر المقدم.
* (وقال الذين كفروا إن ه‍اذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم ءاخرون فقد جآءوا ظلما وزورا) *.
* (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك) * القائلون - كما أخرجه جمع عن قتادة - هم مشركو العرب لا جميع الكفار بقرينة ادعاء إعانة بعض أهل الكتاب له صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم في بعض الروايات النضر بن الحرث. وعبد الله بن أمية. ونوفل بن خويلد، ويجوز أن يراد غلاتهم كهؤلاء ومن ضامهم، وروى عن ابن عباس ما يؤيده، وروى عن الكلبي. ومقاتل أن القائل هو النضر والجمع لمشايعة الباقين له في ذلك، ومن خص ضمير * (اتخذوا) * بمشركي العرب وجعل الموصول هنا عبارة عنهم كلهم جعل وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإيذان بأ ما تفوهوا به كفر عظيم، وفي كلمة * (هذا) * حط لرتبة المشار إليه أي قالوا ما هذا إلا كذب مصروف عن وجهه * (افتراه) * يريدون أنه اهترعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه عليه الصلاة والسلام * (وأعانه عليه) * أي على افترائه واختراعه أو على الإفك * (قوم ءاخرون) * يعنون اليهود بأن يلقوا إليه صلى الله عليه وسلم أخبار الأمم الدارجة وهو عليه الصلاة والسلام يعبر عنها بعبارته، وقيل: هم عداس، وقيل: عائش مولى حويطب بن عبد العزى. ويسار مولى العلاء بن الحضرمي. وجبر مولى عامر وكانوا كتابيين يقرؤن التوراة أسلموا وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعهدهم فقيل ما قيل، وقال المبرد: عنوا بقوم آخرين المؤمنين لأن آخر لا يكون إلا من جنس الأول، وفيه أن الاشتراك في الوصف غير لازم ألا ترى قوله تعالى: * (فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»