كافرة) * (آل عمران: 13) * (فقد جاءوا) * أي الذين كفروا كما هو الظاهر * (ظلما) * منصوب بجاءوا فإن جاء وأتى يستعملان فيمعنى فعل فيتعديان تعديته كما قال الكسائي، واختار هذا الوجه الطبرسي وأنشد قول طرفة: على غير ذنب جئته غير أنني * نشدت فلم أغفل حمولة معبد وقال الزجاج: منصوب بنزع الخافض فهو من باب الحذف والإيصال، وجوز أبو البقاء كونه حالا أي ظالمين، والأول أولى، والتنوين فيه للتفخيم أي جاؤا بما قالوا ظلما هائلا عظيما لا يقادر قدره حيث جعلوا الحق البحت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إفكا مفتري من قبل البشر وهو من جهة نظمه الرائق وطرازه الفائق بحيث لو اجتمعت الإنس والجن على مباراته لعجزوا عن الإتيان بمثل آية من آياته ومن جهة اشتماله على الحكم الخفية والأحكام المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية والأمور الغيبية بحيث لا تناول عقول البشر ولا تحيط بفهمه القوى والقدر، وكذا التنوين في * (وزورا) * أي وكذبا عظيما لا يبلغ غايته حيث قالوا ما لا احتمال فيه للصدق أصلا، وسمي الكذب زورا لا زوراره أي ميله عن جهة الحق والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على أنهما أمران متغايران حقيقة يقع أحدهماعقيب الآخر أو يحصل بسببه بل على أن الثاني عين الأول حقيقة وإنما الترتيب بحسب التغاير الاعتباري، وقد لتحقيق ذلك المعنى فإن ما جاءه من الظلم والزور هو عين ما حكى عنهم لكنه لما كان مغايرا له في المفهوم وأظهر منه بطلانا رتب عليه بالفاء رتيب اللازم على الملزوم تهويلا لأمره كما قاله شيخ الإسلام، وقيل: ضمير * (جاؤا) * عائد على قوم آخرين، والجملة من مقول الكفار وأرادوا أن أولئك المعينين جاءوا ظلما بإعانتهم وزورا بما أعانوا به وهو كما ترى.
* (وقالوا أساطير الاولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا) *.
* (وقالوا أساطير الأولين) * بعدما جعلوا الحق الذي لا محيد عنه إفكا مختلقا بإعانة البشر بينوا على زعمهم الفاسد كيفية الإعانة، وتقدم الكلام في أساطير وهي خبر مبتدأ محذوف أي هذه أو هو أو هي أساطير، وقوله تعالى: * (اكتتبها) * خبر ثان، وقيل: حال بتقدير قد. وتعقب بأن عامل الحال إذا كان معنويا لا يجوز حذفه كما في " المغني "، وفيه أنه غير مسلم كما في شرحه، وجوز أن يكون * (أساطير) * مبتدأ وجملة * (اكتتبها) * الخبر ومرادهم كتبها لنفسه والإسناد مجازي كما في بني الأمير المدين، والمراد أمر بكتابتها أو يقال حقيقة اكتبت أمر بالكتابة فقد شاعر افتعل بهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بالحجامة والفصد، وقيل قالوا ذلك لظنهم أنه يكتب حقيقة أو لمحض الافتراء عليه عليه الصلاة والسلام بناء على علمهم أنه لم يكن يكتب صلى الله عليه وسلم، وقيل: مرادهم جمعها من كتب الشيء جمعه والجمهور على الأول.
وقرأ طلحة * (اكتتبها) * مبنيا للمفعول والأصل اكتتبها له كاتب فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كتب ثم حذف الفاعل لعدم تعلق الغرض العلمي بخصوصه فبنى الفعل للمفعول وأسند للضمير فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان منصوبا بارزا، وهذا مبني على جواز إقامة المفعول الغير الصريح مقام الفاعل مع وجود الصريح وهو هنا ضمير الأساطير وهو الذي ارتضاه الرضى. وغيره، وجمهور البصريين على عدم الجواز وتعين المفعول الصريح للإقامة فيقال عندهم: اكتتبته، وعليه قول الفرزدق: