والتنزيلية الدالة على وجوده ووحدانيته وسائر صفاته عز وجل والهادية إلى صلاح المعاش والمعاد، والجملة استئناف مسوق إما لتحقيق أن بيانه تعالى المأذن به قوله سبحانه: * (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات) * (النور: 34) الآية ليس مقصورا على ما ورد في هذه السورة الكريمة. وإما لتقرير ما في القرآن الجليل من البيان، ويتأتى نحو هذا على بعض الأقوال السابقة في بيان المراد بالنور وهو وجه قوي في مناسبة الآية لما قبلها ولا يكاد يظهر مثله على بعض آخر منها. وذكر العلامة الطيبي في بيان المناسبة كلاما فيه الغث والسمين إن أردته فارجع إليه.
وتخصيص السموات والأرض بالذكر لأنهما المقر المعروف للمكلفين المحتاجين لما يدلهما ويهديهما لما سبق.
وقال العلامة البيضاوي بعد ذكر عدة احتمالات في المراد بالنور: إن إضافته إليهما للدلالة على سعة إشراقه أو لاشتمالهما على الأنوار الحسية والعقلية وقصور الإدراكات البشرية عليهما وعلى المتعلق بهما والمدلول لهما، وقيل المراد بهما العالم كله كإطلاق المهاجرين والأنصار على جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
وتعقب بأن هذا من إطلاق اسم البعض على الكل مجازا وقد اشترط في التلويح أن يكون الكل مركبا تركيبا حقيقيا ولم يثبت في اللغة إطلاق الأرض على مجموع الأرض والسماء والإنسان على الآدمي والسبع.
وأجيب بأنه لا يتعين كونه مجازا لجواز كونه كناية ولو سلم فيما في التلويح غير مسلم أو هو أغلبي، فقد ذكر الزمخشري في قوله تعالى: * (لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) * (آل عمران: 5) أنه عبر عن جميع العالم بالسماء والأرض، وقال العلامة في شرحه: إنه من إطلاق الجزء على الكل فالمعنى حينئذ الله نور العالم كله * (مثل نوره) * أي أدلته سبحانه العقلية والسمعية في السموات والأرض التي هدى بها من شاء إلى ما فيه صلاحه وحكى هذا عن أبي مسلم وينتظم ذلك القرآن انتظاما أوليا، وعن ابن عباس. والحسن. وزيد بن أسلم أن المراد بالنور هنا القرآن كما يعرب عنه ما قبل من وصف آياته بالأنزال والتبيين، وقد صرح بكونه نورا أيضا في قوله تعالى: * (وأنزلنا إليكم نورا مبينا) * (النساء: 174) وقيل المراد به الحق فقد جاء استعارة النور له كاستعارة الظلمة للباطل في قوله سبحانه: * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) * (البقرة: 257) أي من أنواع الباطل إلى الحق ووجه الشبه الظهور، ومن أمثالهم الحق أبلج، ويكفى ذلك في جواز الاستعارة ولا تتوقف على تحقق ما في النور من معنى الإظهار في الحق، نعم إذا تحقق ذلك أيضا فهو نور على نور لكن رجح ضعف تفسيره بما ذكر دون القرآن بأنه يأباه مقام بيان شأن الآيات ووصفها بما ذكر من التبيين مع عدم سبق ذكر الحق.
وفي " الكشف " المراد بالحق الذي فسر النور به ما يقابل الباطل وهو يتناول التوحيد والشرائع وما دل عليه بدليل السمع والعقل، وليس المراد به كون السموات والأرض دليلين على وجود فاطرهما بل ذلك أيضا داخل في عموم اللفظ انتهى، ويضعف عليه أمر هذا التضعيف، وقيل المراد به الهدى الذي دل عليه الآيات المبينات، وقيل: الهدى مطلقا، فقد أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال: مثل نوره مثل هذاه في قلب المؤمن، وأخرج ابن جرير عن أنس قال: إن إلهي يقول نوري هداي؛ وذكر بعضهم أن تفسيره بالهدي مختار الأكثرين وأن تفسيره بالحق بالمعنى العام يوافقه، وقيل: المراد به المعارف والعلوم التي أفاضها عز وجل على قلب المؤمن وإضافة ذلك إليه سبحانه لأنه مفاضه تعالى، وعن أبي بن كعب. والضحاك تفسيره بالايمان الذي أعطاه سبحانه المؤمن ووفقه إليه.