ابن أسلم قال: كان المسجد يرش ويقم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج عن يعقوب بن زيد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتبع غبار المسجد بجريدة؛ وكذا تعليق القناديل فيها وفرشها بالآجر والحصير، وفي " مفتاح السعادة " ولأهل المسجد أن يفرشوا المسجد بالآجر والحصير ويعلقوا القناديل لكن من مال أنفسهم لا من مال المسجد إلا بأمر الحاكم، ولعل محل ذلك ما لم يعين الواقف شيئا من ريع الوقف لذلك، وينبغي أن يكون إيقاد القناديل الكثيرة فيها في ليالي معروفة من السنة كليلة السابع والعشرين من رمضان الموجب لاجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم بالمساجد بدعة منكرة، وكذا ينبغي أن يكون فرشها بالقطائف المنقوشة التي تشوش على المصلين وتذهب خشوعهم كذلك، ومن التعظيم أيضا تقديم الرجل اليمنى عند دخولها واليسرى عند الخروج منها، وصلاة الداخل ركعتين قبل الجلوس إذا كان دخوله لغير الصلاة على ما ذكره بعضهم، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اعطوا المساجد حقها قيل: وما حقها؟ قال: ركعتان قبل أن تجلس " ومن ذلك أيضا بناؤها رفيعة عالية لا كسائر البيوت لكن لا ينبغي تزيينها بما يشوش على المصلين، وفي حديث أخرجه ابن ماجه. والطبراني عن جبير بن مطعم مرفوعا أنها لا تبنى بالتصاوير ولا تزين بالقوارير. وفسر بعضهم الرفع ببنائها رفيعة كما في قوله تعالى: * (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) * (البقرة: 127) والأولى عندي تفسيره بما سبق وجعل بنائها كذلك داخلا في العموم ويدخل فيه أمور كثيرة غير ما ذكرنا وقد ذكرها الفقهاء وأطالوا الكلام فيها.
وزعم بعض المفسرين أن إسناد الرفع إليها مجاز، والمراد ترفع الحوائج فيها إلى الله تعالى، وقيل: ترفع الأصوات بذكر الله عز وجل فيها، ولا يخفى ما فيه، وفي التعبير عن الأمر بالإذن تلويح بأن اللائق بحال المأمور أن يكون متوجها إلى المأمور به قبل الأمر به ناويا لتحقيقه كأنه مستأذن في ذلك فيقع الأمر به موقع الأمر فيه، والمراد بذكر اسمه تعالى شأنه ما يعم جميع أذكاره تعالى، وجعل من ذلك المباحث العلمية المتعلقة به عز وجل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المراد به توحيده عز وجل وهو قول: لا إله إلا الله، وعنه أيضا المراد تلاوة كتابه سبحانه. وقيل: ذكر أسمائه تعالى الحسنى. والظاهر ما قدمنا، وعطف الذكر على الرفع من قبيل عطف الخاص على العام فإن ذكر اسمه تعالى فيها من أنواع تعظيمها، وليس من عطف التفسير في شيء خلافا لمن توهمه، والتسبيح التنزيه والتقديس ويستعمل باللام وبدونها كما في قوله تعالى: * (سبح اسم ربك الأعلى) * (الأعلى: 1) والمراد به إما ظاهره أو الصلاة لاشتمالها عليه وروي هذا عن ابن عباس. والحسن. والضحاك.
وعن ابن عباس كل تسبيح في القرآن صلاة، وأيد إرادة الصلاة هنا تعيين الأوقات بقوله سبحانه: * (بالغدو والآصال) * (النور: 36) والغدو جمع غداة كفتى وفتاة أو مصدر أطلق على الوقت الغدو، وأيد بأن أبا مجلز قرأ * (والإيصال) * مصدرا أي الدخول في وقت الأصيل، و * (الآصال) * كما قال الجوهري جمع أصيل كشريف وأشراف، واختاره جماعة مع أن جمع فعيل على أفعال ليس بقياسي.
واختار الزمخشري أنه جمع أصل كعنق وأعناق؛ والأصل كالأصيل العشي وهو من زوال الشمس إلى الصباح فيشمل الأوقات ما عدا الغداة وهي من أول النهار إلى الزوال ويطلقان على أول النهار وآخره، وإفرادهما بالذكر لشرفهما وكونهما أشهر ما يقع فيه المباشرة للأعمال والاشتغال بالأشغال. وعن ابن عباس أنه حمل الغداة على وقت الضحى وهو مقتضى ما أخرج ابن أبي شيبة. والبيهقي في شعب الإيمان عنه رضي