تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٧٠
فهو من التشبيه المركب العقلي وقد شبه فيه الهيئة المنتزعة بأخرى فإن النور وإن كان لفظه مفردا دال على متعدد وكذا إذا كان المراد تشبيه ما نور الله تعالى به قلب المؤمن من المعارف والعلوم بنور المشكاة المنبث فيها من مصباحها، وفي " الحواشي الطيبة " الطيبية بعد اختيار أن المراد بالنور الهداية بوحي ينزله ورسوله يبعثه ما هو ظاهر في أن التشبيه من التشبيه المفرق بل صرح بذلك أخيرا، واستدل عليه بأن التكرير في الآية يستدعي ذلك وقد أطال الكلام في هذا المقام، ومنه أن المشبهات المناسبة على هذا المعنى صدر الرسول صلى الله عليه وسلم وقلبه الشريف واللطيفة الربانية فيه والقرآن وما يتأثر منه القلب عند استمداده. والتفصيل أنه شبه صدره عليه الصلاة والسلام بالمشكاة لأنه كالكوة ذو وجهين فمن وجد يقتبس النور من القلب المستنير ومن آخر يفيض ذلك النور المقتبس على الخلق وذلك لاستعداده بانشراحه مرتين مرة في صباه وأخرى عند أسرائه قال الله تعالى: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) * (الزمر: 22) وهذا تشبيه صحيح قد اشتهر عن جماعة من المفسرين، روى محيي السنة عن كعب هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم المشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة والشجرة المباركة شجرة النبوة، وروى الإمام عن بعضهم أن المشكاة صدر محمد عليه الصلاة والسلام والزجاجة قلبه والمصباح ما في قلبه من الدين، وفي حقائق السلمي عن أبي سعيد الخراز المشكاة جوف محمد صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه الشريف والمصباح النور الذي فيه، وشبه قلبه صلوات الله تعالى وسلامه عليه بالزجاجة المنعوتة بالكوكب الدري لصفائه وإشراقه وخلوصه عن كدورة الهوى ولوث النفس الأمارة وانعكاس نور اللطيفة إليه. وشبهت اللطيفة القدسية المزهرة في القلب بالمصباح الثاقب.
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القلوب أربعة قلب أجود فيه مثل السراج يزهر - وفيه - أما القلب الأجود فقلب المؤمن سراجه فيه نوره " الحديث، وشبه نفس القرآن بالشجرة المباركة لثبات أصلها وتشعب فروعها وتأديها إلى ثمرات لا نهاية لها قال الله تعالى: * (كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها) * (إبراهيم: 24، 25) الآية. وروى محيي السنة عن الحسن. وابن زيد الشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها يضىء تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم تقرأ. وشبه ما يستمده نور قلبه الشريف صلوات الله تعالى وسلامه عليه من القرآن وابتداء تفويته منه بالزيت الصافي قال الله تعالى: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) * (الشورى: 52) فكما جعل سبحانه القرآن سبب توقده منه في قوله تعالى: * (يوقد من شجرة مباركة) * جعل ضوءه مستفادا من انعكاس نور اللطيفة إليه في قوله عز وجل: * (ولو لم تمسسه نار) *.
والمعنى على ما ذكر في إنسان العين يكاد سر القرآن يظهر للخلق قبل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه مسحة من معنى قوله: رق الزجاج ورقت الخمر * فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح * وكأنما قدح ولا خمر ومنه وصفت الشجرة بكونها لا شرقية ولا غربية وعن ابن عباس تشبيه فؤاده صلى الله عليه وسلم بالكوكب الدري وأن الشجرة المباركة إبراهيم عليه السلام. ومعنى لا شرقية ولا غربية أنه ليس بنصراني فيصلي نحو المشرق ولا يهودي فيصلي نحو المغرب. والزيت الصافي دين إبراهيم عليه السلام، وقد يقال على تفريق التشبيه لكن
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»