تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٤
نور منه اقتباسه واستمداده بل ذلك له في ذاته لذاته لا من غيره، ثم عرفت أن هذا لا يتصف به إلا النور الأول، ثم عرفت أن السموات والأرض مشحونة نورا من طبقتي النور أعني المنسوب إلى البصر والمنسوب إلى البصيرة أي إلى الحسن والعقل كنور الكواكب وجواهر الملائكة وكالأنوار المشاهدة المنبسطة على كل ما على الأرض وكأنوار النبوة والقرآن إلى غير ذلك.
وهذا منزع صوفي والصوفية لا يتحاشون من القول بأنه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا هو الكل بل هو هو لا هوية لغيره إلا بالمجاز ويقولون: لا إله إلا الله توحيد العوام ولا إله إلا هو توحيد الخواص لأنه أتم وأخص وأشمل وأحق وأدق وأدخل لصاحبه في الفردانية المحضة والوحدانية الصرفة، وقد قال بذلك الغزالي في رسالته المذكورة أيضا، وأنت تعلم أنه مما لا يهتدي إليه بنور الاستدلال بل هو طور وراء طور العقل لا يهتدي إليه بنور الله عز وجل. وجوز بعض المحققين كون المراد من النور في الآية الموجود كأنه قيل: الله موجد السموات والأرض، ووجه ذلك بأنه مجاز مرسل باعتبار لازم معنى النور وهو الظهور في نفسه وإظهاره لغيره وقيل: هو استعارة والمستعار منه النور بمعنى الظاهر بنفسه المظهر لما سواه والمستعار له الواجب الوجود الموجد لما عداه، وكون المراد به مفيض الإدراك ومعطيه مجازا مرسلا أو استعارة والكلام على حذف مضاف أي نور أهل والسموات والأرض، وهذا قريب مما أخرجه ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: الله نور السموات والأرض هادي أهل السموات والأرض وهو وجه حسن، وجاء في رواية أخرى أخرجها ابن جرير عنه رضي الله تعالى عنه فسر النور بالمدبر فقال: الله نور السموات والأرض يدبر الأمر فيهما، وروى ذلك عن مجاهد أيضا، وجعل ذلك بعضهم من التشبيه البليغ.
ووجه الشبه كون كل من التدبير والنور سبب الاهتداء إلى المصالح. وجوز أن يكون هناك استعارة تصريحية. وتعقب بأن ذكر طرفي التشبيه وهو الله تعالى والنور ينافي ذلك وأجيب بأن ذكرهما إنما ينافيه إذا كان على وجه ينبىء عن التشبيه وكان كل من المشبه والمشبه به مذكورا بعينه وهنا لم يشبه الله سبحانه بالنور بل شبه المدبر به وذكر جزئي يصدق عليه المشبه أو كلي يشمله لا ينافي ذلك كما أشار إليه " صاحب الكشاف " في مواضع منه وصرح به أهل المعاني، وقيل: المراد به المنزه من كل عيب، ومن ذلك قولهم: امرأة نوار أي بريئة من الريبة بالفحشاء وهو من باب المجاز أيضا، وقيل: الكلام على حذف مضاف كما في زيد كرم أي ذو نور، ويؤيده كما قيل قوله تعالى بعد * (مثل نوره) * * (ويهدي الله لنوره) *.
وقيل: نور بمعنى منور وروى ذلك عن الحسن. وأبي العالية. والضحاك وعليه جماعة من المفسرين، ويؤيده قراءة بعضهم * (منور) * وكذا قراءة علي كرم الله تعالى وجهه. وأبي جعفر. وعبد العزيز المكي. وزيد بن علي. وثابت بن أبي حفصة. والقورصي. ومسلمة بن عبد الملك. وأبي عبد الرحمن السلمي. وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة * (نور) * فعلا ماضيا * (والأرض) * بالنصب، وتنويره سبحانه السموات والأرض قيل بالشمس والقمر وسائر الكواكب ونسب إلى الحسن ومن معه، وقيل: تنوير السموات بالملائكة عليهم السلام وتنوير الأرض بالأنبياء عليهم السلام والعلماء ونسب إلى أبي بن كعب، والتنوير على الأول حسي وعلى الثاني عقلي. وقيل وهو الذي اختاره: تنويره سبحانه إياهما بما فيهما من الآيات التكوينية
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»