تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٢٢
وإذا طلقت لا يتحقق المنفر المخل بالحكمة، هذا ولا يخفى عليك ما في بعض الاحتمالات من البحث بل بعضها في غاية البعد عن ساحة القبول، ولعل الحق أنه عليه الصلاة والسلام قد أخفى عليه أمر الشرطية إلى أن اتضح أمر البراءة ونزلت الآيات فيها لحكمة الابتلاء وغيره مما الله تعالى أعلم به. وأن قول أولئك الأصحاب رضي الله تعالى عنهم: سبحانك هذا بهتان عظيم لم يكن ناشئا إلا عن حسن الظن، ولم يتمسك به صلى الله عليه وسلم لأنه لا يحسم القال والقيل ولايرد به شيء من الأباطيل، ولا ينبغي لمن يؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يخالج قلبه بعد الوقوف على الآيات والأخبار شك في طهارة نساء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن الفجور في حياة أزواجهن وبعد وفاتهم عنهن، ونسب للشيعة قذف عائشة رضي الله تعالى عنها بما برأها الله تعالى منه وهم ينكرون ذلك أشد الإنكار وليس في كتبهم المعول عليها عندهم عين منه ولا أثر أصلا، وكذلك ينكرون ما نسب إليهم من القول بوقوع ذلك منها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وليس له أيضا في كتبهم عين ولا أثر.
والظاهر أنه ليس في الفرق الإسلامية من يختلج في قلبه ذلك فضلا عن الإفلاك الذي برأها الله عز وجل منه.
* (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين) *.
* (يعظكم الله) * أي ينصحكم * (أن تعودوا لمثله أبدا) * أي كراهة أن تعودوا أو لئلا تعودوا أو يعظكم في العود أي في شأنه وما فيه من الإثم والمضار كما يقال وعظته في الخمر وما فيها من المعار أو يزجركم عن العود على تضمين الوعظ معنى الزجر، ويقال عاده وعاد إلليه وعاد له وعاد فيه بمعنى، والمراد بأبدا مدة الحياة.
* (إن كنتم مؤمنين) * من باب إن كنت أبا لك فلم لا تحسن إلى يتضمن تذكيرهم بالايمان الذي هو العلة في الترك والتهيج لإبرازه في معرض الشك وفيه طرف من التوبيخ.
* (ويبين الله لكم الاي‍ات والله عليم حكيم) *.
* (ويبين الله لكم الآيات) * أي ينزلها مبينة ظاهرة الدلالة على معانيها، والمراد بها الآيات الدالة على الشرائع ومحاسن آداب معاملة المسلمين، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتفخيم شأن البيان.
* (والله عليم) * بأحوال جميع مخلوقاته جلها ودقها * (حكيم) * في جميع أفعاله فإني يمكن صدق ما قيل في حق حرم من اصطفاه لرسالته وبعثه إلى كافة الخلق ليرشدهم إلى الحق ويزكيهم ويطهرهم تطهيرا، وإظهار الاسم الجليل ههنا لتأكيد استقلال الاعتراض التذييلي والإشعار بعلية الألوهية للعلم والحكمة.
* (إن الذين يحبون أن تشيع الف‍احشة فى الذين ءامنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والاخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) *.
* (إن الذين يحبون) * أي يريدون ويقصدون * (أن تشيع) * أن تنتشر * (الفاحشة) * أي الخصلة المفرطة في القبح وهي الفرية والرمي بالزنا أو نفس الزنا كما روى عن قتادة، والمراد بشيوعها شيوع خبرها * (في الذين ءامنوا) * متعلق بتشيع أي تشيع فيما بين الناس.
وذكر المؤمنين لأنهم العمدة فيهم أو بمضمر هو حال من الفاحشة أي كائنة في حق المؤمنين وفي شأنهم والمراد بهم المحصنون والمحصنات كما روى عن ابن عباس * (لهم) * بسبب ذلك * (عذاب أليم في الدنيا) * مما يصيبه من البلاء كالشلل والعمى * (و) * في * (الآخرة) * من عذاب النار ونحوه، وترتب ذلك على المحبة ظاهر على ما نقل عن الكرماني من أن أعمال القلب السيئة كالحقد والحسد ومحبة شيوع الفاحشة يؤاخذ العبد إذا وطن نفسه عليها، ويعلم من الآية على أتم وجه سوء حال من نزلت الآية فيهم كابن أبي ومن وافقه قلبا وقالبا وأن لهم الحظ
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»