تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١١٧
ثم قال: احسن يا حسان في الذي أصابك فقال: هي لك يا رسول الله فعوضه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بيرحاء وكان طلحة بن سهل أعطاها إياه عليه الصلاة والسلام ووهبه أيضا سيرين أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان.
وفي رواية في " صحيح البخاري " عن عائشة أيضا رضي الله تعالى عنها أنها قالت في * (الذي تولى كبره منهم) * هو أي المنافق ابن أبي. وحمنة، وقيل: هو. وحسان. ومسطح، وعذاب المنافق الطرد وظهور نفاقه وعذاب الأخيرين بذهاب البصر، ولا يأبى إرادة المتعدد إفراد الموصول لما في الكشف من أن * (الذي) * يكون جمعا وأفراد ضميره جائز باعتبار إرادة الجمع أو الفوج أو الفريق أو نظرا إلى أن صورته صورة المفرد، وقد جاء أفراده في قوله تعالى: * (والذي جاء بالصدق وصدق به) * (الزمر: 33) وجمعه في قوله سبحانه * (خضتم كالذي خاضوا) * والمشهور جواز استعمال * (الذي) * جمعا مطلقا. واشترط ابن مالك في التسهيل أن يراد به الجنس لا جمع مخصوص فإن أريد الخصوص قصر على الضرورة، هذا ولا يخفى أن إرادة الجمع هنا لا تخلو عن بعد، والذي اختاره إرادة الواحد وأن ذلك الواحد هو عدو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ابن أبي، وقد روى ذلك الزهري عن سعيد بن المسيب. وعروة بن الزبير. وعلقمة بن وقاص وعبد الله بن عتبة وكلهم سمع عائشة تقول * (الذي تولى كبره) * عبد الله بن أبي، وقد تظافرت روايات كثيرة على ذلك، والذاهبون إليه من المفسرين أكثر من الذاهبين منهم إلى غيره. ومن الافك الناشىء من النصب قول هشام بن عبد الملك عليه من الله تعالى ما يستحق حين سئل الزهري عن * (الذي تولى كبره) * فقال له: هو ابن أبي كذبت هو علي - يعني به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه - وقد روي ذلك عن هشام البخاري. والطبراني. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل، ولا بدع من أموي الافتراء على أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه. وأنت تعلم أن قصارى ما روي عن الأمير رضي الله تعالى عنه أنه قال لأخيه وابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشاره يا رسول الله لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك.
وفي رواية أنه قال: يا رسول الله قد قال الناس وقد حل لك طلاقها، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه ضرب بريرة وقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك شيء مما يصلح مستندا لذلك الأموي الناصبي.
وجل غرض الأمير مما ذكر أن يسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو فيه من الغم غاية ما في الباب أنه لم يسلك في ذلك مسلك أسامة وهو أمر غير متعين، ومن دقق النظر عرف مغزى الأمير كرم الله تعالى وجهه وأنه بعيد عما يزعمه النواصب بعد ما بين المشرق والمغرب فليتدبر.
* (لولاإذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمن‍ات بأنفسهم خيرا وقالوا ه‍اذآ إفك مبين) *.
* (لولا إذ سمعتموه) * التفات إلى خطاب الخائضين ما عدا من تولى كبره منهم، واستظهر أبو حيان كون الخطاب للمؤمنين دونه، واختير الخطاب لتشديد ما في لولا التحضيضية من التوبيخ، ولتأكيد التوبيخ عدل إلى الغيبة في قوله تعالى: * (ظن المؤمنون والمؤمنات بأننفسهم خيرا) * لكن لا بطريق الاعراض عن المخاطبين وحكاية جناياتهم لغيرهم بل بالتوسل بذلك إلى وصفهم بما يوجب الاتيان بالمحضض عليه ويقتضيه اقتضاء تلا ويزجرهم عن ضده زجرا بليغا وهو الإيمان وكونه مما يحملهم على إحسان الظن ويكفهم عن إساءته بأنفسهم أي بأبناء جنسهم وأهل ملتهم النازلين منزلة أنفسهم كقوله تعالى: * (ولا تلمزوا أنفسكم) * (الحجرات: 11) وقوله سبحانه: * (ثم أنتم هؤلاء تقتلون
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»