تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٢٣
الأوفر من العذابين حيث أحبوا الشيوع وأشاعوا.
وقال بعضهم: المراد من محبة الشيوع الإشاعة بقرينة ترتب العذاب عليها فإنه لا يترتب إلا على الإشاعة دون المحبة التي لا اختيار فيها، وإن سلم أن المراد بها محبة تدخل تحت الاختيار وهي مما يترتب عليها العذاب قلنا: إن ذلك هو العذاب الأخروي دون العذاب الدنيوي مثل الحد، وقد فسر ابن عباس. وابن جبير العذاب الأليم في الدنيا هنا بالحد وهو لا يترتب على المحبة مطلقا بالاتفاق، ومن هنا قيل أيضا: إن ذكر المحبة من قبيل الاكتفاء عن ذكر الشيء وهو الإشاعة بذكر مقتضيه تنبيها على قوة المقتضى، وقيل: إن الكلام على التضمين أي يشيعون الفاحشة مبين شيوعها لأن كلا معنى المحبة والإشاعة مقصودان.
واستشكل تفسير العذاب الأليم في الدنيا بالحد بأنه لا يضم إليه العذاب الأليم في الآخرة لأن الحدود مكفرة. وأجيب بأن حكم الآية مخصوص بمن أشاع ذلك في حق أم المؤمنين، وقيل: الحد لمن نقل الإفك من المسلمين والعذاب الأخروي لأبي عذرته ابن أبي والموصول عام لهما، على أن في كون لحدود مطلقا مكفرة خلافا فبعضهم قال به فيما عدا الردة وبعضهم أنكره وبعضهم توقف فيه لحديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: " لا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا " ولعل الأنسب بمساق النظم الكريم من تقبيح الخائضين في الإفك المشيعين له هو ما ذكرناه أولا، والمراد بالموصول إمامهم على أن يكون للعهد الخارجي كما روى عن مجاهد. وابن زيد؛ والتعبير بالمضارع في الصلة للإشارة إلى زيادة تقبيحهم بأنه قد صارت محبتهم لشيوع الفاحشة عادة مستمرة، وأما ما يعمهم وغيرهم من كل من يتصف بمضمون الصلة على إرادة الجنس ويدخل أولئك المشيعون دخولا أوليا كما قيل: * (والله يعلم) * جميع الأمور التي من جملتها ما في الضمائر من المحبة المذكورة وكذا وجه الحكمة في تغليظ الوعيد * (وأنتم لا تعلمون) * ما يعلمه سبحانه وتعالى.
والجملة اعتراض تذييلي جيء به تقريرا لثبوت العذاب له وتعليلا له، قيل: المعنى والله يعلم ما في ضمائرهم فيعاقبهم عليه في الآخرة وأنتم لا تعلمون ذلك بل تعلمون ما يظهر لكم من أقوالهم فعاقبوا عليه في الدنيا.
* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم) *.
* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * الخطاب على ما أخرج الطبراني عن ابن عباس لمسطح. وحسان. وحمنة أو لمن عدا ابن أبي وأضرابه من المنافقين الخائضين، وهذا تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للتنبيه على كمال عظم الجريرة وقوله سبحانه وتعالى: * (وأن الله رءوف رحيم) * عطف على * (فضل الله) * وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والأشعار باستتباع صفة الألوهية للرأفة والرحمة، وتغيير سبكه وتصديره بحرف التحقيق لما أن المراد بيان اتصافه تعالى في ذاته بهاتين الصفتين الجليلتين على الدوام والاستمرار لا بيان حدوث تعلقهما بهم كما أنه المراد بالمعطوف عليه؟ وجواب * (لولا) * محذوف كما مر.
وهذه نظير الآية المارة في آخر حديث اللعان إلا أن في التعقيب بالرؤوف الرحيم بدل التواب الحكيم هنالك ما يؤذن بأن الذنب في هذا أعظم وكأنه لا يرتفع إلا بمحض رأفته تعالى وهو أعظم من أن يرتفع بالتوبة كما روى عن ابن عباس من خاض في حديث الإفك وتاب لم تقبل توبته والغرض التغليظ فلا تغفل.
* (ياأيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيط‍ان ومن يتبع خطوات الشيط‍ان فإنه يأمر بالفحشآء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ول‍اكن الله يزكى من يشآء والله سميع عليم) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) * أي لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وما تذرون
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»