تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١١٨
أنفسكم) * (البقرة: 85) ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر وإن قيل بجوازه مما لا ريب فيه فاخلالهم بموجب ذلك الوصف أقبح وأشنع والتوبيخ عليه أدخل مع ما فيه من التوسل به إلى توبيخ الخائضات والمشهور منهن حمنة؛ ثم إن كان المراد بالإيمان الإيمان الحقيقي فايجابه لما ذكر واضح والتوبيخ خاص بالمتصفين به، وإن كان مطلق الإيمان الشامل لما يظهره المنافقون أيضا فإيجابه له من حيث أنهم كانوا يحترزون عن إظهار ما ينافي مدعاهم فالتوبيخ حينئذ متوجه إلى الكل، والنكتة في توسيط معمول الفعل المحضض عليه بينه وبين أداة التحضيض وإن جاز ذلك مطلقا أي سواء كان المعمول الموسط ظرفا أو غيره تخصيص التحضيض بأول وقت السماع وقصر التوبيخ واللوم على تأخير الاتيان بالمحضض عليه عن ذلك الآن والتردد فيه ليفيد أن عدم الاتيان به رأسا في غاية ما يكون من القباحة والشناعة أي كان الواجب على المؤمنين والمؤمنات أن يظنوا أول ما سمعوا ذلك الإفك ممن اخترعه بالذات أو بالواسطة من غير تلعثم وتردد بأهل ملتهم من آحاد المؤمنين والمؤمنات خيرا * (وقالوا) * في ذلك الآن * (هذا إفك مبين) * أي ظاهر مكشوف كونه إفكا فكيف بأم المؤمنين حليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت المهاجرين رضي الله تعالى عنهما.
ويجوز أن يكون المعنى هلا ظن المؤمنين والمؤمنات أول ما سمعوا ذلك خيرا بأهل ملتهم عائشة. وصفوان وقالوا الخ.
* (لولا جآءو عليه بأربعة شهدآء فإذ لم يأتوا بالشهدآء فأول‍ائك عند الله هم الك‍اذبون) *.
* (لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء) * إما من تمام القول المحضض عليه مسوق لتوبيخ السامعين على ترك الزام الخائضين أي هلا جاء الخائضون بأربعة شهداء يشهدون على ثبوت ما قالوا: * (فاذ لم يأتوا بالشهداء) * الأربعة، وكان الظاهر فإذا لم يأتوا بهم إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل لزيادة التقرير * (فأولئك) * إشارة إلى الخائضين، وما فيها من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفساد أي فأولئك المفسدون * (عند الله) * أي في حكمه وشريعته * (هم الكاذبون) * أي المحكوم عليهم بالكذاب شرعا أي بأن خبرهم لم يطابق في الشرع الواقع، وقيل: المعنى فأولئك في علم الله تعالى هم الكاذبون الذين لم يطابق خبرهم الواقع في نفس الأمر لأن الآية في خصوص عائشة رضي الله تعالى عنها وخبر أهل الأفك فيها غير مطابق للواقع في نفس الأمر في علمه عز وجل.
وتعقب بأن خصوص السبب لا ينافي عمون الحكم مع أن ظاهر التقييد بالظرف يأبى ذلك. وجعله من قبيل قوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * (الأنفال: 66) خلاف الظاهر، وأيا ما كان فالحصر للمبالغة، وإما كلام مبتدأ مسوق من جهته سبحانه وتعالى تقريرا لكون ذلك إفكا.
* (ولولا فضل الله عليكم ورحمته فى الدنيا والاخرة لمسكم فى مآ أفضتم فيه عذاب عظيم) *.
* (ولولا فضل الله) * أي تفضله سبحانه: * (عليكم ورحمته) * إياكم * (في الدنيا) * بفنون النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة * (و) * في * (الآخرة) * بضروب الآلاء التي من جملتها العفو والمغفرة بعد التوبة، وفي الكلام نشر على ترتيب اللف، وجوز أن يتعلق * (في الدنيا والآخرة) * بكل من فضل الله تعالى ورحمته، والمعنى لولا الفضل العام والرحمة العامة في كلا الدارين * (لمسكم) * عاجلا * (في ما أفضتم فيه) * أي بسبب ما خضتم فيه من حديث الافك.
والإبهام لتهويل أمره واستهجان ذكره أفاض في الحديث وخاض وهضب واندفع بمعنى، والإفاضة في ذلك مستعارة من إفاضة الماء في الإناء، و * (لولا) * امتناعية وجوابها * (لمسكم) * * (عذاب عطيم) *
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»