عن كل ما ينفر عن الاتباع. واستشكل ذلك بأنه إذا كان ما ذكر شرطا فكيف علمه من سمعت حتى قالوا ما قالوا وخفي الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال كما في " صحيح البخاري " وغيره: " يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله تعالى وإن كنت ألممت بذنب فاسغفري الله تعالى وتوبى إليه ".
وجاء في بعض الروايات " يا عائشة إن كنت فعلت هذا الأمر فقولي لي حتى أستغفر الله تعالى لك " وكذا خفي على صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه رأسها فقالت: ألا عذرتني فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم؟
وأجيب بأن ذلك ليس من الشروط العقلية للنبوة كالأمانة والصدق بل هو من الشروط الشرعية والعادية كما قال اللقاني فيجوز أن يقال: إنه لم يكن معلوما قبل وإنما علم بعد نزول آيات براءة عائشة رضي الله تعالى عنها، وعدم العلم بمثل ذلك لا يقدح في منصب النبوة، وأما دعوى علم من ذكر به فلا دليل عليها، وقولهم ذلك يجوز أن يكون ناشئا عن حسن الظن لا عن علم بكون السلامة من المنفر عن الاتباع من شروط النبوة، ويشهد لهذا نظرا إلى بعض القائلين والظاهر تساويهم ما أخرجه ابن إسحق. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. وابن عساكر عن بعض الأنصار أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله تعالى عنها؟ قال: بلى وذلك الكذب أكنت أنت فاعلة يا أم أيوب؟ قالت: لا والله فقال: فعائشة رضي الله تعالى عنها والله خير منك وأطيب هذا كذب وإفك باطل، وروى قريبا منه الحاكم. وابن عساكر عن أفلح مولى أبي أيوب، ولعله المعنى ببعض الأنصار في الخبر السابق، ولم يقل صلى الله عليه وسلم نحو ذكل لحسن الظن لشدة غيرته عليه الصلاة والسلام والغيور لا يكاد يعود في مثل ذلك على حسن الظن، ويمكن أن يكون قولهم ذلك ناشئا عن العلم بكون السلامة من المنفر عن الاتباع من شروط النبوة بأن يكونوا قد تفطنوا لكون حكمة البعثة تقتضي تلك السلامة وقد يتفطن العالم لما لا يتفطن له من هو أعلم منه.
وجوز أن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عالما بعدم جواز فجور نساء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما فيه من النفرة المخلة بحكمة البعثة لكن أراد عليه الصلاة والسلام أن يظهر أمر براءة الصديقة رضي الله تعالى عنها ظهور الشمس في رابعة النهار بحيث لا يبقى فيها خفاء عند أحد من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، وما عراه من الهم إنما هو أمر طبيعي حصل بسبب خوض المنافقين ومن تبعهم وشيوع ما لا أصل له من الباطل بين الناس، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بأن السلامة من المنفر من شروط النبوة لكن خشي من الله عز وجل الذي لا يجب عليه شيء أن لا يجعل ما خاض المنافقون وأتباعهم فيه من المنفر بأن لا يرتب سبحانه خلق النفرة في القلوب عليه ليمنع من الاتباع فتختل حكمة البعثة فداخله عليه الصلاة والسلام من الهم ما داخله وجعل يتتبع الأمر على أتم وجه وما ذلك إلا من مزيد العلم ونهاية الحزم، ونظيره من وجه خوفه عليه الصلاة والسلام من قيام الساعة عند اشتداد الريح بحيث لا يستطيع أن ينام ما دام الأمر كذلك حتى تمطر السماء.
وقيل: يجوز أن لا يعد فجور الزوجة منفرا إلا إذا أمسكت بعدم العلم به فلم لا يجوز أن يقع فيجب طلاقها