هذه الآية على ما سمعت من المراد من الموصوف بتلك الصفات كفر قاذف أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنه لأن الله عز وجل رتب على رميهن عقوبات مختصة بالكفار والمنافقين فقال سبحانه: * (لعنوا) * أي بسبب رميهم إياهن * (في الدنيا والآخرة) * حيث يلعنهم اللاعنون والملائكة في الدارين * (ولهم) * مع ما ذكر من اللعن * (عذاب عظيم) * هائل لا يقادر قدره لغاية عظم ما اقترفوه من الجناية.
وكذا ذكر سبحانه أحوالا مختصة بأولئك [بم فقال عز وجل:
* (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) *.
* (يوم تشهد عليهم) * الخ، ودليل الاختصاص قوله سبحانه * (ويوم يحشر أعداء الله) * (فصلت: 19) إلى آخر الآيات الثلاث، ومن هنا قيل: إنه لا يجوز أن يراد بالمحصنات الخ المتصفات بالصفات المذكورة أمهات المؤمنين وغيرهن من نساء الأمة لأنه لا ريب في أن رمي غير أمهات المؤمنين ليس بكفر، والذي ينبغي أن يعول الحكم عليه بكفر من رمى إحدى أمهات المؤمنين بعد نزول الآيات وتبين أنهن طيبات سواء استباح الرمي أم قصد الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم أم لم يستبح ولم يقصد، ولم يقصد، وأما من رمى قبل فالحكم بكفره مطلقا غير ظاهر.
والظاهر أنه يحكم بكفره إن كان مستبيحا أو قاصدا الطعن به عليه الصلاة والسلام كابن أبي لعنه الله تعالى فإن ذلك مما يقتضيه إمعانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحكم بكفره إن لم يكن كذلك كحسان. ومسطح. وحمنة فإن الظاهر أنهم لم يكونوا مستحلين ولا قاصدين الطعن بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين وإنما قالوا ما قالوا تقليدا فوبخوا على ذلك توبيخا شديدا، ومما يدل دلالة واضحة على عدم كفر الرامين قبل بالرمي أنه عليه الصلاة والسلام لم يعاملهم معاملة المرتدين بالإجماع وإنما أقام عليهم حد القذف على ما جاء في بعض الروايات، فالآية بناء على القول بخصوص * (المحصنات) * وهو الذي تعضده أكثر الروايات إن كانت لبيان حكم من يرمي عائشة أو إحدى أمهات المؤمنين مطلقا بعد تلك القصة كما هو ظاهر الفعل المضارع الواقع صلة الموصول فأمر الوعيد المذكور فيها على القول بأنه مختص بالكفار والمنافقين ظاهر لما سمعت من القول بكفر الرامي لإحدى أمهات المؤمنين بعد مطلقا، وإن كانت لبيان حكم من رمى قبل احتاج أمر الوعيد إلى القول بأن المراد بالموصول أناس مخصوصن رموا عائشة رضي الله تعالى عنها استباحة لعرضها وقصدا إلى الطعن برسول الله صلى الله عليه وسلم كابن أبي وإخوانه المنافقين عليهم اللعنة، وعلى هذا يكون التعبير بالمضارع لاستحضار الصورة التي هي من أغرب الغرائب أو للإشارة كما قيل إلى أن شأنهم الرمي وأنه يتجدد منهم آنا فآنا. وعلى هذا يمكن أن يقال. المراد بيان حكم من لم يتب من الرمي فإن التائب من فعل قلما يقال فيه إن شأنه ذلك الفعل فيكون الوعيد مخصوصا بمن لم يتب.
والذي تقتضيه الأخبار أن كل من وقع في تلك المعصية تاب سوى اللعين ابن أبي وأشياعه من المنافقين. وعن ابن عباس أنها نزلت فيه خاصة ولا يخفى وجه الجمع عليه، وقيل المراد بيان حكم من رمى والوعيد مشروط بعدم التوبة ولم يذكر للعلم به من القواعد المستقرة إذا لذنب كيفما كان يغفر بالتوبة، فلا حاجة إلى أن يقال: المراد إن الذين شأنهم الرمي ليشعر بعدم التوبة، والظاهر أن من لم يتب بعد نزول هذه الآيات كافر وليس هو إلا اللعين وأشياعه المنافقين.