الحكم لجميع المؤمنين كما هو الظاهر، ولا حاجة إلى دعوى أنها فيها خاصة والجمع للتعظيم، وكونه مخصوصا بضمير المتكلم مردود على أن فيها من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيها، وأجاب الرافضة بأن المراد بالفضل الزيادة في المال، ويرد عليه أنه حينئذ يتكرر مع قوله سبحانه * (والسعة) * وادعى الإمام أنها تدل على أن الصديق رضي الله تعالى عنه أفضل جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وبين ذلك بما هو بعيد عن فضله، وذكر أيضا دلالتها على وجوه من مدحه رضي الله تعالى عنه وأكثرها للبحث فيها مجال، واستدل بها على أن ما لا يكون ردة من المعاصي لا يحبط العمل وإلا لما سمى الله تعالى مسطحا مهاجرا مع أنه صدر منه ما صدر، وعلى أن الحلف على ترك الطاعة غير جائز لأنه تعالى نهى عنه بقوله سبحانه: * (لا يأتل) * ومعناه على ما يقتضيه سبب النزول لا يحلف، وظاهر هذا حمل النهي على التحريم، وقيل: هو للكراهة، وقيل: الحق أن الحلف على ترك الطاعة قد يكون حراما، وقد يكون مكروها، فالنهي هنا لطلب الترك مطلقا وفيه بحث.
وذكر جمهور الفقهاء أنه إذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه كما جاء في الحديث، وقال بعضهم: إذا حلف فليأت الذي هو خير وذلك كفارته كما جاء في حديث آخر.
وتعقب بأن المراد من الكفارة في ذلك الحديث تكفير الذنب لا الكفارة الشرعية التي هي بإحدى الخصال.
* (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا فى الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم) *.
* (إن الذين يرمون المحصنات) * قد تقدم تفسيرها * (الغافلات) * عما يرمين به بمعنى أنه لم يخطر لهن ببال أصلا لكونهم مطبوعات على الخبر مخلوقات من عنصر الطهارة ففي هذا الوصف من الدلالة على كمال النزاهة ما ليس في المحصنات * (المؤمنات) * أي المتصفات بالايمان بكل ما يحب أن يؤمن به من الواجبات والمحظورات وغيرها إيمانا حقيقيا تفضيليا كما ينبىء عنه تأخير المؤمنات عما قبلها مع أصالة وفي الايمان فإنه للإيذان بأن المراد بها المعنى الوصفي المعرب عما ذكر لا المعنى الإسمي المصحح لإطلاق الاسم في الجملة كما هو المتبادر على تقدير التقديم كذا في إرشاد العقل السليم.
وفرع عليه كون المراد بذلك عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها وروى ما ظاهره ذلك عن ابن عباس. وابن جبير، والجمع على هذا باعتبار أن رميها رمي لسائر أمهات المؤمنين لاشتراك الكل في النزاهة والانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظير ذلك جمع * (المرسلين) * في قوله سبحانه وتعالى: * (كذبت قوم نوح المرسلين) * (الشعراء: 105) وقيل: المراد أمهات المؤمنين فيدخل فيهن الصديقة دخولا أوليا. وروى ما يؤيده عن أبي الجوزاء. والضحاك وجاء أيضا عن ابن عباس ما يقتضيه، فقد أخرج عند سعيد بن منصور. وابن جرير. والطبراني. وابن مردويه أنه رضي الله تعالى عنه قرأ سورة النور ففسرها فلما أتى على هذه الآية * (إن الذين) * الخ قال: هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة ثم قرأ * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * إلى قوله تعالى: * (إلا الذين تابوا) * الخبر، وظاهره أنه لا تقبل توبة من قذف إحدى الأزواج الطاهرات رضي الله تعالى عنهن.
وقد جاء عنه في بعض الروايات التصريح بعدم قبول توبة من خاض في أمر عائشة رضي الله تعالى عنها، ولعل ذلك منه خارج مخرج المبالغة في تعظيم أمر الإفك كما ذكرنا أولا وإلا فظاهر الآيات قبول توبته وقد تاب من تاب من الخائضين كمسطح. وحسان. وحمنة ولو علموا أن توبتهم لا تقبل لم يتوبوا، نعم ظاهر