تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٠٧
الشهادة محلها الإثبات واليمين للنفي فلا يتصور تعلق حقيقتهما بأمر واحد فوجب العمل بحقيقة أحدهما ومجاز الآخر فليكن المجاز لفظ الشهادة لما سمعت من الموجبين.
واستدل أصحابنا على أنه شهادات مؤكدة بأيمان بالآية أيضا لأن الحمل على الحقيقة يجب عند الإمكان وقوله سبحانه وتعالى: * (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * (النور: 6) أثبت أنهم شهداء لأن الاستثناء من النفي إثبات وجعل الشهداء مجازا عن الحالفين يصير المعنى ولم يكن لهم حالفون إلا أنفسهم وهو غير مستقيم لأنه يفيد أنه إذا لم يكن للذين يرمون أزواجهم من يحلف لهم يحلفون لأنفسهم وهذا فرع تصور حلف الإنسان لغيره ولا وجود له أصلا فلو كان معنى اليمين حقيقيا للفظ الشهادة كان هذا صارفا عنه إلى مجازه كيف وهو مجازي لها ولو لم يكن هذا كان إمكان العمل بالحقيقة موجبا لعدم الحمل على اليمين فكيف وهذا صارف عن المجاز وما توهم كونه صارفا مما ذكر غير لازم قوله قبول الشهادة لنفسه وتكرر الأداء لا عهد بهما قلنا: وكل من الحلف لغيره والحلف لإيجاب الحكم لا عهد به بل اليمين لرفع الحكم فإن جاز شرعية هذين الأمرين في محل بعينه ابتداء جاز أيضا شرعية ذلك ابتداء بل هي أقرب لعقلية كون التعدد في ذلك أربعا بدلا عما عجز عنه من إقامة شهود الزنا وهم أربع وعدم قبول الشهادة له عند التهمة ولذا تثبت عند عدمها أعظم ثبوت قال الله عز وجل: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * (آل عمران: 18) فغير بعيد أن تشرع عند ضعفها بواسطة تأكيدها باليمين وإلزام اللعنة والغضب إن كان كاذبا مع عدم ترتب موجبها في حق كل من الشاهدين إذ موجب شهادة كل إقامة الحد على الآخر وليس ذلك بثابت هنا بل الثابت عند الشهادتين هو الثابت بالأيمان وهو اندفاع موجب دعوى كل عن الآخر، وإنما قيل عندهما ولم يقل بهما لأن هذا الاندفاع ليس موجب الشهادتين بل هو موجب تعارضهما، وأما قوله: واليمين للنفي الخ فمحله ما إذا وقعت في إنكار دعوى مدع وإلا فقد يحلف على إخبار بأمر نفي أو إثبات وهنا كذلك فإنها على صدقه في الشهادة، والحق أنها على ما وقعت الشهادة به وهو كونه من الصادقين فيما رماها به كما إذا جمع أيمانا على أمر واحد يخبر به فإن هذا هو حقيقة كونها مؤكدة للشهادة إذ لو اختلف متعلقهما لم يكن أحدهما مؤكدا للآخر.
وأورد على اشتراط الأهلية لأداء الشهادة أنهم قالوا: إن اللعان يجري بين الأعميين والفاسقين مع أنه لا أهلية لهما لذلك. ودفع بأنهما من أهل الأداء إلا أنه لا يقبل للفسق ولعدم تمييز الأعمى بين المشهود له وعليه وهنا هو قادر على أن يفصل بين نفسه وزوجته فيكون أهلا لهذه الشهادة دون غيرها، وروى ابن المبارك عن أبي حنيفة أن الأعمى لا يلاعن وعمم القهستاني الأهلية فقال: ولو بحكم القاضي والفاسق يصح القضاء بشهادته وكذا الأعمى على القول بصحتها فيما يثبت بالتسامع كالموت والنكاح والنسب وهذا بخلاف المحدود بالقذف فإنه لا يصح القضاء بشهادته، ولعل مراد ابن كمال باشا بقوله: لو قضى بشهادة المحدود بالقذف نفذ نفاذ الحكم بصحتها ممن يراها كشافعي على ما قيل وهو خلاف ظاهر كلامه كما لا يخفى على من رجع إليه، ويشترط كون القذف في دار الإسلام وكونه بصريح الزنا فلا لعان بالقذف باللواط عند الإمام وعندهما فيه لعان ولا لعان بالقذف كناية وتعريضا والقذف بصريحه نحو أن يقال: أنت زانية أو يا زانية أو رأيتك تزنين، والمشهور عن مالك أن القذف بالأولين يوجب الحد والذي يوجب اللعان القذف بالأخير وهو قول الليث. وعثمان. ويحيى بن سعيد، وضعيف بأن الكل رمى بالزنا وهو السبب كما تدل عليه الآية فلا فرق، وبمنزلة القذف بالصريح نفى نسب ولدها منه أو من غيره.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»