تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٠٥
كما في " البحر " أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر، وأخرج أبو يعلى. وابن مردويه عن أنس أنه قال: لأول لعان كان في الإسلام ما وقع بين هلال بن أمية وزوجته، ونقل الخفاجي هنا عن السبكي إشكالا وأنه قال: إنه إشكال صعب وارد على آية اللعان والسرقة والزنا وهو أن ما تضمن الشرط نص في العلية مع الفاء ومحتمل لها بدونها ولتنزيله منزلة الشرط يكون ما تضمنه من الحدث مستقبلا لا ماضيا فلا ينسحب حكمه على ما قبله ولا يشمل ما قبله من سبب النزول، وتعقبه بأنه لا صعوبة فيه بل هو أسهل من شرب الماء البارد في حر الصيف لأن هذا وأمثاله معناه إن أردتم معرفة هذا الحكم فهو كذا فالمستقبل معرفة حكمه وتنفيذه وهو مستقبل في سبب النزول وغيره، والقرينة على أن المراد. هذا أنها نزلت في أمر ماض أريد بيان حكمه ولذا قالوا: دخول سبب النزول قطعي.
ولا حاجة إلى القول بأن الشرط قد يدخل على الماضي ولا أن ما تضمن الشرط لا يلزمه مساواته لصريحه من كل وجه ولا أن دخول ما ذكر بدلالة النص لفساده هنا انتهى، ثم أن المراد هنا نظير ما مر والذين يرمون بالزنا أزواجهم المدخول بهن وغير المدخول بهن وكذا المعتدات في طلاق رجعي * (ولم يكن لهم شهداء) * أربعة يشهدون بما رموهن به من الزنا. وقرىء * (تكن) * بالتاء الفوقية وقراءة الجمهور أفصح * (إلا أنفسهم) * بدل من * (شهداء) * لأن الكلام غير موجب والمختار فيه الإبدال أو إلا بمعنى غير صفة لشهداء ظهر إعرابها على ما بعدها لكونها على صورة الحرف كما قالوا في أل الموصولة الداخلة على أسماء الفاعلين مثلا، وفي جعلهم من جملة الشهداء إيذان كما قيل من أول الأمر بعدم إلغاء قولهم بالمرة ونظمه في سلك الشهادة وبذلك ازداد حسن إضافة الشهادة إليهم في قوله تعالى: * (فشهادة أحدهم) * أي شهادة كل واحد منهم وهو مبتدأ وقوله سبحانه: * (أربع شهادات) * خبره أي فشهادتهم المشروعة أربع شهادات * (بالله) * متعلق بشهادات، وجوز بعضهم تعلقه بشهادة.
وتعقب بأنه يلزم حينئذ الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي وهو الخبر، وأنت تعلم أن في كون الخبر أجنبيا كلاما وأن بعض النحويين أجاز الفصل مطلقا وبعضهم أجاز فيما إذا كان المعمول ظرفا كما هنا.
وقرأ الأكثر * (أربع) * بالنصب على المصدرية والعامل فيه * (شهادة) * وهي خبر مبتدأ محذوف أي فالواجب شهادة أو مبتدأ خبره محذوف أي فعليهم شهادة أو فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله واجبة أو كافية، ولا خلاف في جواز تعلق الجار على هذه القراءة بكل من الشهادة والشهادات وإنما الخلاف في الأولى * (إنه لمن الصادقين) * أي فيما رماها به من الزنا، والأصل على أنه الخ فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنها باللام للتأكيد، ولا يختص التعليق بأفعال القلوب بل يكون فيما يجري مجراها ومنه الشهادة لإفادتها العلم، وجوز أن تكون الجملة جوابا للقسم بناء على أن الشهادة هنا بمعنى القسم حتى قال الراغب. إنه يفهم منها ذلك وإن لم يذكر * (بالله) * وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك.
* (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الك‍اذبين) *.
* (والخامسة) * أي والشهادة الخامسة للأربع المتقدمة أي الجاعلة لها خمسا بانضمامها إليهن، وإفرادها مع كونها شهادة أيضا لاستقلالها بالفحوى ووكادتها في إفادتها ما يقصد بالشهادة من تحقيق الخبر وإظهار الصدق، وهي مبتدأ خبره قوله تعالى: * (أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين) * فيما رماها به من الزنا.
* (ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الك‍اذبين) *.
* (ويدرؤا) * أي يدفع * (عنها العذاب) * أي العذاب الدنيوي وهو الحبس عندنا والحد عند الشافعي، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق الكلام فيه * (أن تشهد أربع شهادات بالله إنه) * أي الزوج
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»