منه بقتل ولده ولا شك أن إهدار جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق الأولى مع أن القصاص متيقن سببه والمغلب فيه حق العبد بخلاف حد القذف فيهما، ولا حق لأخي الميت وعمه وعمته وخاله وخالته في المطالبة بحد قذفه.
وعند الشافعي. ومالك عليهما الرحمة تثبت المطالبة لكل وارث وهو رواية غريبة عن محمد، وللشافعية فيمن يرثه ثلاثة أوجه، الأول: جميع الورثة. والثاني: غير الوارث بالزوجية. والثالث: ذكور العصبات لا غير. والظاهر أن مطالبة من له المطالبة بالحد غير واجبة عليه بل في التاتارخانية وحسن أن لا يرفع القاذف إلى القاضي ولا يطالب بالحد. وحسن من الإمام أن يقول للمطالب أعرض عنه ودعه اه.
وكأنه لا فرق في هذا بين أن يعلم الطالب صدق القاذف وأن يعلم كذبه. وما نقل في القنية من أن المقذوف إذا كان غير عفيف في السر له مطالبة القاذف ديانة فيه نظر لا يخفى. وظاهر الآية أنه لا فرق بين أن يكون الرامي حرا وأن يكون عبدا فيجلد كل منهما إذا قذف وتحقق الشرط ثمانين جلدة. وبذلك قال عبد الله بن مسعود. والأوزاعي. وجمهور الأئمة على أن العبد ينصف له الحد لما علمت أول السورة. وإذا أريد إقامة الحد على القاذف لا يجرد من ثيابه إلا في قول مالك لأن سببه وهو النسبة إلى الزنا كذبا غير مقطوع به لجواز كونه صادقا غير أنه عاجز عن البيان.
نعم ينزع عنه الفرو والثوب المحشو لأنهما يمنعان من وصول الألم إليه كذا في عامة الكتب، ومقتضاه أنه لو كان عليه ثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع. والظاهر كما في " الفتح " أنه لو كان هذا الثوب فوق قميص نزع لأنه يصير مع القميص كالمحشو أو قريبا من ذلك ويمنع إيصال الألم وكيف لا والضرب هنا أخف من ضرب الزنا. هذا وقرأ أبو زرعة. وعبد الله بن مسلم * (بأربعة) * بالتنوين فشهداء بدل أو صفة. وقيل حال أو تمييز وليس بذاك. وهي قراءة فصيحة ورجحها ابن جني على قراءة الجمهور بناء على إطلاق قولهم: إنه إذا اجتمع اسم العدد والصفة كان الاتباع أجود من الإضافة.
وتعقب بأن ذاك إذا لم تجر الصفة مجرى الأسماء في مباشرتها العوامل وأما إذا جرت ذلك المجرى فحكمها حكمها في العدد وغيره غاية ما في الباب أنه يجوز فيها الإبدال بعد العدد نظرا إلى أنها غير متمحضة الاسمية و * (شهداء) * من ذلك القبيل - فأربعة شهداء - بالإضافة أفصح من * (أربعة شهداء) * بالتنوين والاتباع.
وقال ابن عطية: وسيبويه يرى أن تنوين العدد وترك إضافته إنما يجوز في الشعر انتهى، وكأنه أراد الطعن في هذه القراءة على هذا القول، وفيه أن سيبويه إنما يرى ذلك في العدد الذي بعده اسم نحو ثلاثة رجال دون الذي بعده صفة فإنه على التفصيل الذي ذكر كما قال أبو حيان.
وقوله سبحانه: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * أي مدة حياتهم كما هو الظاهر عطف على * (اجلدوا) * داخل في حكمه تتمة له كأنه قيل: فاجلدوهم وردوا شهادتهم أي فأجمعوا لهم الجلد والرد، ورد شهادتهم عند الإمام أبي حنيفة عليه الرحمة معلق باستيفاء الجلد فلو شهدوا قبل الجلد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادتهم، وقيل: ترد إذا ضربوا سوطا، وقيل: ترد إذا أقيم عليهم الأكثر، ومن الغريب ما روى ابن الهمام عن مالك أنه مع قوله: إن للابن أن يطالب بحد والده إذا قذف أمه قال: إنه إذا حد الأب سقطت عدالة الابن