سبحانه وتعالى: (ويدرأ عنها العذاب) ووجه قولنا إن قوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم) إلى قوله تعالى: (فشهادة أحدهم) الخ يفهم منه كيفما كانت القراءة أن الواجب في قذف الزوجات اللعان ولا ينكر ذلك إلا مكابر فإما أن يكون ناسخا أو مخصصا لعموم ذلك العام والظاهر عندنا كونه ناسخا لتراخي نزوله كما تشهد له الأخبار الصحيحة والمخصص لا يكون متراخي النزول على التقديرين يلزم كون الحكم الثابت في قذف الزوجات إنما هو ما تضمنته الآية من اللعان حال قيام الزوجية كما هو الظاهر فلا يجب غيره عند الإمتناع عن إيفائه بل يحبس لإيفائه كما في حق امتنع من هو عليه عن إيفئه ولم يتعين كون المراد من العذاب في الآية الحد لجواز كونه الحبس وإذا قام الدليل على أن اللعان هو الواجب وجب حمله عليه قيل: والعجب من الشافعي عليه الرحمة لا يقبل شهادة الزوج عليها بالزنا مع ثلاثة عدول ثم يوجب الحد عليها بقوله وحده وإن كان عبدا فاسقا وأعجب منه أن اللعان يمين عنده وهو لا يصلح لا يجاب المال ولا لإسقاطه بعد الوجوب وأسقط به كل من الرجل والمرأة الحد عن نفسه وأوجب به الرجم الذي هو أغلظ الحدود على المرأة فإن قال: إنما يوجب عليها لنكولها بامتناعها عن اللعان قلنا: هو أيضا من ذلك العجب فإن كون النكول إقرارا فيه شبهة والحد مما يندفع بها مع أنه غاية ما يكون بمنزلة إقراره مرة إن هذه الشبهة أثرت عنده في منع إيجاب المال مع أنه يثبت مع الشبهة فكيف يوجب الرجم به وهو أغلظ الحدود وأصعبها إثباتا وأكثرها شروطا انتهى وليراجع في ذلك كتب الشافعية وفي النهر نقلا عن الاسبيجاني أنهما يحبسان إذا امتنعا عن اللعان بعد الثبوت ثم قال: وينبغي حمله على ماذا لم تعف المرأة كما في البحر وعندي في حبسها بعد امتناعه نوع إشكال لأن اللعان لا يجب عليها إلا بعد لعانه فقبله ليس امتناعا لحق وجب عليها انتهى وأجاب الطحطاوي بأنه بعد الترافع منهما صار إمضاء اللعان حق الشرع فإذا لم تعف وأظهرت الإمتناع تحبس بخلاف ما إذا أبى هو فقط فلا تحبس انتهى وقيل: ليس المراد امتناعهما في آن واحد بل المراد امتناعه بعد المطالبة به وامتناعها بعد لعانه فتأمل والمتبادر من الشهادة ما كان قولا حقيقة ولذا قالوا: لا لعان لو كانا أخرسين أو أحدهما لفقد الركن وهو لفظ أشهد وعلل أيضا بأن هناك شبهة احتمال تصديق أحدهما للآخر لو كان ناطقا والحد يدرأ بالشبهة وكتابة الأخرس في هذا الفصل كإشارته لا يعول عليها وذكروا لو طرأ الخرس بعد اللعان قبل التفريق فلا تفريق ولا حد ويشعر ظاهر الآية بتقديم لعان الزوج وهو المأثور في السنة فلو بدأ القاضي بأمرها فلاعنت قبله فقد أخطأ السنة ولا يجب كما في الغاية أن تعيد لعانها بعد وبه قال مالك وفي البدائع ينبغي أن تعيد لأن اللعان شهادة المرأة وشهادة تقدح في شهادة الزوج فلا تصح إلا بعد وجود شهادته ولهذا يبدأ بشهادة المدعي في باب الدعوى ثم بشهادة المدعى عليه بطريق الدفع له ونقل ذلك عن الشافعي وأحمد عليهما الرحمة وأشهب من المالكية والوجه ما تقدم فقد أعقب في الآية الرمي بشهادة أحدهم وشهادتها الدارئة عنها العذاب فيكون هذا المجموع بعد الرمي وليس في الآية ما يدل على الترتيب بين أجزاء المجموع وهذا نظير ما قرره بعض أجلة الأصحاب في قوله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) الآية في بيان أنه لا يدل على فرضية الترتيب كما يقوله الشافعية وظاهر الآية أنه لا يجب في لعانه أن يأتي بضمير المخاطبة ولا في لعانها أن تأتي بضمير المخاطب ففي الهداية صفة اللعان أن
(١٠٩)