حقا له عز وجل، وذكر ابن الهمام أنه لا خلاف في أن فيه حق الله تعالى وحق العبد إلا أن الشافعي مال إلى تغليب حق العبد باعتبار حاجته وغنى الحق سبحانه وتعالى ونحن صرنا إلى تغليب حق الله تعالى لأن ما للعبد من الحقوق يتولى استيفاءه مولاه فيصير حق العبد موجبا لتغليب حق الله تعالى لا مهدار ولا كذلك عكسه أي لو غلب حق العبد لزم أن لا يستوفي حق الله عز وجل إلا بأن يجعل ولاية استيفائه إليه وذلك لا يجوز إلا بدليل ينصبه الشرع على إنابة العبد في الاستيفاء ولم يثبت ذلك بل الثابت هو استنابة الإمام حتى كان هو الذي يستوفيه كسائر الحدود التي هي حقه سبحانه وتعالى. ويتفرع على الخلاف أن من ثبت أنه قذف فمات قبل إقامة الحد على القاذف لا يورث عنه إقامة الحد عندنا إذ الإرث يجري في حقوق العباد بشرط كونها مالا أو ما يتصل بالمال أو ما ينقلب إليه وتورث عنده، وأن الحد لا يسقط عندنا بعد ثبوته إلا أن يقول المقذوف: لم يقذفني أو كذب شهودي وحينئذ يظهر أن القذف لم يقع موجبا للحد لا أنه وقع ثم سقط بقوله ذلك وهذا كما إذا صدقه المقذوف، وقال زين الدين: أن المقذوف إذا عفا لم يكن للإمام استيفاء الحد لعدم الطلب فإذا عاد وطلب يقيمه ويلغو العفو، وعند الشافعي يصح العفو وعن أبي يوسف مثله، وكان المراد أنه إذا عفا سقط الحد ولا ينفع العود إلى المطالبة وأنه لا يجوز الاعتياض عنه عندنا وبه قال مالك، وعنده يجوز وهو قول أحمد وأنه يجري فيه التداخل عندنا لا عنده وبقولنا قال مالك. والثوري. والشعبي. والنخعي. والزهري. وقتادة. وطاوس. وحماد. وأحمد في رواية حتى إذا حد الأسوطا فقذف آخر فإنه يتم الأول ولا شيء للثاني.
وكذا إذا قذف واحدا مرات أو جماعة بكلمة مثل أنتم زناة أو بكلمات مثل أنت يا زيد زان وأنت يا عمرو زان وأنت يا بشر زان في يوم أو أيام يحد حدا واحدا إذا لم يتخلل حد بين القذفين.
ووافقنا الشافعي في الحد الواحد لقاذف جماعة بكلمة مرة واحدة، وفي الظهيرية من قذف إنسانا فحد ثم قذفه ثانيا لم يحد، والأصل فيه ما روي أن أبا بكرة لما شهد على المغيرة فحد لما سمعت كان يقول بعد ذلك في المحافل: أشهد أن المغيرة لزان فأراد عمر رضي الله تعالى عنه أن يحده ثانيا فمنعه علي كرم الله تعالى وجهه فرجع إلى قوله وصارت المسألة إجماعا اه، والظاهر أن هذا فيما حد به كما فعل أبو بكرة فإنه لم يردان المغيرة لزان أنه زان غير الزنا الأول، أما إذا قذفه بعد الحد بزنا آخر فإنه يحد به كما في " الفتح ".
وذكر صدر الإسلام أبو اليسر في مبسوطه الصحيح أن الغالب في هذا الحد حق العبد كما قال الشافعي لأن أكثر الأحكام تدل عليه والمعقول يشهد له وهو أن العبد ينتفع به على الخصوص، وقد نص محمد في الأصل على أن حد القذف كالقصاص حق العبد، وتفويضه إلى الإمام لأن كل أحد لا يهتدي إلى إقامته ولأنه ربما يريد المقذوف موته لحنقه فيقع متلفا، وإنما لا يورث لأنه مجرد حق ليس مالاف ولا بمنزلته فهو كخيار الشرط وحق الشفعة بخلاف القصاص فإنه ينقلب إلى المال، وأيضا هو في معنى ملك العين لأن من له القصاص يملك إتلاف العين وملك الإتلاف ملك العين عند الناس فصار من عليه القصاص كالملك لمن له القصاص فيملكه