تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٦
على الأول بقوله تعالى: * (بعضكم لبعض عدو) * لما أنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد فالتعادي في الحقيقة بين أولادهما. وهذا على عكس مخاطبة اليهود ونسبة ما فعل ءاباؤهم اليهم. والجملة في موضع الحال أي متعادين في أمر المعاش وشهوات الأنفس. وعلى الثاني ظاهر لظهور العداوة بين آدم عليه السلام وابليس عليه اللعنة وكذا بين ذرية آدم عليه السلام وذرية اللعين. ومن هنا قيل: الضمير لآدم وذريته وإبليس وذريته.
وعزم بعضهم أنه لآدم وإبليس والحية والمغول عليه الأول ويؤيد ذلك قوله تعالى: * (فاما يأتينكم مني هدى) * الخ أي بنبي أرسله اليكم وكتاب أنزله عليكم * (فمن اتبع هداي) * وضع الظاهر موضع المضمر مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه.
وأخرج الطبراني. وغيره عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ * (فمن اتبع هدى) * * (فلا يضل) * في الدنيا * (ولا يشاقى) * في الآخرة، وفسر بعضهم الهدى بالقرآن لما أخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ الآية، وأخرج جماعة عنه مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ " من اتبع كتاب الله هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة "، ورجح على العموم بقيام القرينة عليه وهو قوله تعالى:
* (ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القي‍امة أعمى) * * (ومن أعرض عن ذكرى) * بناء على تفسير الذكر بالقرآن، وكذا قوله تعالى بعد و * (كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها) * (طه: 126) ولمختار العموم أن يقول: الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية، وكذا الآيات تكون بمعنى الأدلة مطلقا، وقد فسر الذكر أيضا هنا بالهدى لأنه سبب ذكره تعالى وعبادته سبحانه، فأطلق المسبب وأريد سببه لوقوعه في المقابلة، وما في الخبر من باب التنصيص على حكم أشرف الإفراد المدلول عليه بالعموم اعتناء بشأنه. ثم إن تقييد * (لا يضل بقولنا في الدنيا * (ولا يشقى) * بقولنا في الآخرة هو الذي يقتضيه الخبر.
وجوز بعضهم العكس أي فلا يضل طريق الجنة في الآخرة ولا يتعب في أمر المعيشة في الدنيا، وجعل الأول في مقابلة * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * والثاني في مقابلة * (فإن له معيشة ضنكا) * ثم قال: وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لأن مطمح نظرهم أمر ءاخرتهم بخلاف خلافهم فإن نظرهم مقصور على دنياهم، ولا يخفى أن الذي نطقت به الآثار هو الأول، وذكر بعضهم أنه المتبادر، نعم ما ذكر لا يخلو عن حسن وإن قيل: فيه تكلف، وجوز الإمام كون الأمرين في الآخرة وكونهما فبي الدنيا، وذكر أن المراد على الأخير لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين لا مطلقا فإن لحق المنعم بالهدى شقاء في الدنيا فبسبب آخر وذلك لا يضر اه‍، والمعول عليه ما سمعت، والمراد من الاعراض عن الذكر عدم الاتباع فكأنه قيل: ومن لم يتبع * (فان له معيشة ضنكا) * أي ضيقة شديدة وهو مصدر ضنك وكذا ضناكة؛ ولذا يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع، وقد وصف به هنا المؤنث باعتبار الأصل. وقرأ الحسن * (ضنكي) * بألف التأنيث كسكرى وبالإمالة. وهذا التأنيث باعتبار تأويله بالوصف. وعن ابن عباس تفسيره بالشديد من كل وجه، وأنشد قول الشاعر:
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»