تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٨
فرقة * (ويحشره) * بالياء * (يوم القيامة أعمى) * الظاهر أن المراد فاقد البصر كما في قوله تعالى: * (نحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * (الإسراء: 97).
* (قال رب لم حشرتنىأعمى وقد كنت بصيرا) * * (قال) * استئناف كما مر * (رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) * أي في الدنيا كما هو الظاهر، ولعل هذا باعتبار أكثر أفراد من أعرض لأن من أفراده من كان أكمه في الدنيا. والظاهر أن هذا سؤال عن السبب الذي استحق به الحسر أعمى لأنه جهل أو ظن أن لا ذنب له يستحق به ذلك.
* (قال كذالك أتتك آي‍اتنا فنسيتها وكذالك اليوم تنسى) * * (قال) * الله تعالى في جوابه * (كذلك أتتك ءاياتنا) * الكاف مقحمة كما في مثلك لا يبخل وذلك إشارة إلى مصدر أتتك أي مثل ذلك الاتيان البديع أتتك الآيات الواضحة النيرة. وعند الزمخشري لا إقحام وذلك إشارة إلى حشره أعمى أي مثل ذلك الفعل فعلت أنت. وقوله تعالى: * (أتتك) * الخ جواب سأال مقدر كأنه قيل: يا رب ما فعلت أنا؟ فقيل: أتتك آياتنا * (فنسيتها) * أي تركتها ترك المنى الذي لا يذكر أصلا، والمراد فعميت عنها إلا أنه وضع المسبب موضع السبب لأن من عمي عن شيء نسيه وتركه. والإشارة في قوله تعالى: * (وكذالك) * إلى النسيان المفهوم من نسيتها والكاف على ظاهرها أي مثل ذلك النسيان الذي كنت فعلته في الدنيا * (اليوم تنسى) * أي تترك في العمى جزاء وفاقا، وقيل: الكاف بمعنى اللام الأجلية كما قيل في قوله تعالى: * (واذكروه كما هداكم) * (البقرة: 198) أي ولأجل ذلك النسيان الصادر منك تنسى. وهذا الترك يبقى إلى ما شاء الله تعالى ثم يزال العمى عنه فيرى أهوال القيامة ويشاهد النار كما قال سبحانه: * (ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها) الآية ويكون ذلك له عذابا فوق العذاب وكذا البكم والصمم يزيلهما الله تعالى عنهم كما يدل عليه قوله تعالى: * (اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا) * (مريم: 38).
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن الكافر يحشر أولا بصيرا ثم يعمى فيكون الأخبار بأنه قد كان بصيرا إخبارا عما كان عليه في أول حشره، والظاهر أن ذلك العمى يزول أيضا، وعن عكرمة أنه لا يرى شيئا إلا النار، ولعل ذلك أيضا في بعض أجزاء ذلك اليوم وإلا فكيف يقرأ كتابه، وروي عن مجاهد. ومقاتل. والضحاك. وأبي صالح وهي رواية عن ابن عباس أيضا أن المعنى نحشره يوم القيامة أعمى عن الحجة أي لا حجة له يهتدي بها. وهو مراد من قال: أعمى القلب والبصيرة، واختار ذلك إبراهيم ابن عرفة وقال كلما ذكر الله سبحانه في كتابه العمى فذمه فإنما يراد به عمى القلب قال سبحانه وتعالى: * (فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الدور) * (الحج: 46) وعلى هذا فالمراد بقوله: * (وقد كنت بصيرا) * (طه: 125) وقد كنت عالما بحجتي بصيرا بها أحاج عن نفسي في الدنيا. ومنه يعلم اندفاع ما قاله ابن عطية في رد من حمل العمى على عمى البصيرة من أنه لو كان كذلك لم يحس الكافر به لأنه كان في الدنيا أعمى البصيرة ومات وهو كذلك.
وحاصل الجواب عليه إني حشرتك أعمى القلب لا تهتدي إلى ما ينجيك من الحجة لأنك تركت في الدنيا آياتي وحججي وكما تركت ذلك تترك على هذا العمى أبدا، وقيل: المراد بأعمى متحيرا لا يدري ما يصنع من الحيل في دفع العذاب كالأعمى الذي يتحير في دفع ما لا يراه. وليس في الآية دليل كما يتوهم على عد نسيان القرآن أو آية منه كبيرة كما ذهب إليه الإمام الرافعي ويشعر كلام الإمام النووي في الروضة باختياره لأن المراد بنسيان الآيات بعد القول بشمولها آيات القرآن تركها وعدم الإيمان بها. ومن عد نسيان شيء من القرآن كبيرة أراد
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»