تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٩
بالنسيان معناه الحقيقي نعم تجوز أبو شامة شيخ النووي فحمل النسيان في الأحاديث الواردة في ذم نسيان شيء من القرآن على ترك العمل به. وتحقيق هذه المسألة وأن كون النسيان بالمعنى الأول كبيرة عند من قال به مشروط كما قال الجلال البلقيني والزركشي وغيرهما بما إذا كان عن تكاسل وتهاون يطلب من محله وكذا تحقيق حال الأحاديث الواردة في ذلك.
وقرأ حمزة. والكسائي. وخلف * (أعمى) * بالإمالة في الموضعين لأنه من ذوات الياء. وأمال أبو عمرو في الأول فقط لكونه جديرا بالتغيير لكونه رأس الآية وحل الوقف.
* (وكذالك نجزى من أسرف ولم يؤمن بااي‍ات ربه ولعذاب الاخرة أشد وأبقى) * * (وكذالك) * أي ومثل ذلك الجزاء الموافق للجنابة * (نجزي من أسرف) * بالانهماك في الشهوات * (ولم يؤمن بآيات ربه) * بل كذبها وأعرض عنها، والمراد تشبيه الجازء العام بالجزاء الخاص * (ولعذاب الآخرة) * على الاطلاق أو عذاب النار * (أشد من عذاب الأولى * (وأبقى) * أي أكثر بقاء منه أو أشد وأبقى من ذلك ومن عذاب القبر أو منهما ومن الحشر على العمي.
* (أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون فى مس‍اكنهم إن فى ذلك لأي‍ات لاولى النهى) * * (أفلم يهد لهم) * كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من قوله تعالى: * (وكذلك نجزي) * الآية والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام. واستعمال الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم فلا حاجة إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبيين والمفعول الثاني محذوف. وأيا ما كان فالفاعل ضميره تعالى وضمير * (لهم) * للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى أغفلوا فلم يفعل الله تعالى لهم الهداية أو فلم يبين عز وجل لهم العبر.
وقوله تعالى: * (كم أهلكنا قبلهم من القرون) * إما بيان بطريق الالتفات لتلك الهداية أو كالتفسير للمعفول المحذوف، وقيل: فاعل * (يهد) * ضميره صلى الله عليه وسلم، وقيل: ضمير الاهلاك المفهوم من قوله تعالى: * (كم أهلكنا) * والجملة مفسره له، وقيل: الفاعل محذوف أي النظر والاعتبار ونسب ذلك إلى المبرد، وففيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وقال الزمخشري: الفاعل جملة * (كم أهلكنا) * الخ ووقوع الجلمة فاعلا مذهب كوفي، والجمهور على خلافه لكن رجح ذلك هنا بأن التعليل فيما بعد يقتضيه. ورجح كون الفاعل ضميره تعالى شأنه بأنه قد قرأ فرقة منهم ابن عباس. والسلمي * (أفلم نهد) * بالنون. واختار بعضهم عليه كون الفعل منزلا منزلة اللازم وجملة * (كم أهلكنا) * بيانا لتلك الهداية، وبعض آخر كونه متعديا والمفعول مضمون الجملة أي أفلم يبين الله تعالى لهم مضمون هذا الكلام، وقيل: الجملة سادة مسد المفعول والفعل معلق عنها، وتعقب بأن * (كم) * هنا خبرية وهي لا تعلق عن العمل وإنما التي تعلق عنه كم الاستفهامية على ما نص عليه أبو حيان في البحر لكن أنت تعلم أنه إذا كان مدار التعليق الصدارة كما هو الظاهر فقد صرح ابن هشام بأن لكل من كم الاستفهامية وكم الخبرية ما ذكر ورد في المغنى قول ابن عصفور: * (أن كم) * في الآية فاعل يهد بأن لها الصدر ثم قال: وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول ملكت كم عبيد فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم إذ خرج كلام الله تعالى شأنه على هذه اللغة انتهى. وهو ظاهر في أنه قائل بأن كم هنا خبرية ولها الصدر. نعم نقل الحوفي عن بعضهم أنه رد القائل بالفاعلية بأنها استفهامية لا يعمل ما قبلها فيها والظاهر خبريتها وهي مفعول مقدم لأهلكنا و * (من القرون) * متعلق بمحذوف وقع صفة لمميزها أي كن قرن كائن من القرون * (يمشون في مساكنهم) * حال
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»