تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧١
اللعين خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين وحواء خلقت منه، وقد ذكر جميع ذلك الإمام الرازي.
* (فلا يخرجنكما) * أي فلا يكونن سببا لإخراجكما * (من الجنة) * وهذا كناية عن نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان في إخراجهما منها نحو قوله تعالى: * (فلا يكن في صدرك حرج) * والفاء لترتيب موجب النهي على عداوته لهما أو على الإخبار بها * (فتشقى) * أي فتتعب بمتاعب الدنيا وهي لا تكاد تحصى ولا يسلم منها أحد وإسناد ذلك إليه عليه السلام خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معا لأصالته في الأمور واستلزام تعبه لتعبها مع ما في ذلك من مراعاة الفواصل على أتم وجه، وقيل: المراد بالشقاء التعب في تحصيل مبادىء المعاش وهو من وظائف الرجال، وأيد هذا بما أخرجه عبد بن حميد. وابن عساكر. وجماعة عن سعيد بن جبير قال: " إن آدم عليه السلام لما أهبط من الجنة استقبله ثور أبلق فقيل له: اعمل عليه فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: هذا ما وعدني ربي * (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * (طه: 117) ثم نادى حواء حواء أنت عملت بي هذا فليس من ولد آدم أحد يعمل على ثور إلا قال: حو دخلت عليهم من قبل آدم عليه السلام، وكذا أيد بالآية بعد وفيه تأمل، ولعل القول بالعموم أولى، و * (تشقى) * يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي، ويحتمل أن يكون مرفوعا على الاستئناف بتقدير فأنت تشقى، واستبعد هذا بأنه ليس المراد الإخبار عنه بالشقاء بل المراد أن وقع الإخراج حصل ذلك.
* (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) * * (وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى) * * (وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى) * أي ولا تصيبك الشمس يقال: ضحا كسعى وضحى كرضي ضحوا وضحيا إذا أصابته الشمس، ويقال ضحا ضحوا وضحوا وضحيا إذا برز لها، وأنشدوا قول عمرو بن أبي ربيعة: رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيضحي وأما بالعشي فيحضر وفسر بعضهم ما في الآية بذلك والتفسير الأول مروى عن عكرمة، وأيا ما كان فالمراد نفى أن يكون بلا كن، والجملة تعليل لما يوجبه النهي فإن اجتماع أسباب الراحة فيها مما يوجب المبالغة في الاهتمام بتحصيل مبادىء البقاء فيها والجد في الانتهاء عما يؤدي إلى الخروج عنها، والعدول عن التصريح بأن له عليه السلام فيها تنعما بفنون النعم من المآكل والمشارب وتمتعا بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية مع أن فيه من الترغيب في البقاء فيها ما لا يخفى إلى ما ذكر من نفي نقائضها التي هي الجوع والعطش والعرى والضحو لتذكير تلك الأمور المنكرة والتنبيه على ما فيها من أنواع الشقوة التي حذره سبحانه عنها ليبالغ في التحامي عن السبب المؤدي إليها، ومعنى * (أن لا تجوع) * الخ أن لا يصيبه شيء من الأمور الأربعة أصلا فإن الشبع والري والكسوة والكن قد تحصل بعد عروض أضدادها وليس الأمر فيها كذلك بل كلما وقع فيها شهوة وميل إلى شيء من الأمور المذكورة تمتع به من غير أن يصل إلى حد الضرورة على أن الترغيب قد حصل بما سوغ له من التمتع بجميع ما فيها سوى الشجرة حسبما ينطق به قوله تعالى: * (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما) * (البقرة: 35) وقد طوى ذكره ههنا اكتفاء بذلك واقتصر على ما ذكر من الترغيب المتضمن للترهيب، وقال بعضهم: إن الاقتصار على ما ذكر لما وقع في سؤال آدم عليه السلام فإنه روي أنه لما أمره سبحانه يسكنى الجنة قال إلهي ألي فيها ما آكل ألي فيها ما ألبس ألي فيها ما أشرب ألي فيها ما استظل به فأجيب بما ذكر، وفي القلب من صحة الرواية شيء.
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»