تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٢
ووجه إفراده عليه السلام بما ذكر ما مر آنفا، وقيل: كونه السائل وكان الظاهر عدم الفصل بين الجوع والظمأ والعري والضحو للتجانس والتقارب إلا أنه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتم منها وهي أن الجوع خلو الباطن والعري خلو الظاهر فكأنه قيل لا يخلو باطنك وظاهرك عما يهمهما، وجمع بين الظمأ المورث حرارة الباطن والبروز للشمس وهو الضحو المورث حرارة الظاهر فكأنه قيل: لا يؤلمك حرارة الباطن والظاهر وذلك الوصل الخفي وهو سر بديع من أسرار البلاغة، وفي " الكشف " إنما عدل إلى المنزل تنبيها على أن الشبع والكسوة أصلان وأن الأخيرين متممان على الترتيب فالامتنان على هذا الوجه أظهر، ولهذا فرق بين الفرينتين فقيل أولا * (إن ذلك) * وثانيا * (إنك) *، وقد ذكر هذا العلامة الطيبي أيضا ثم قال: وفي تنسيق المذكورات الأربعة مرتبة هكذا مقدما ما هو الأهم فالأهم ثم في جعلها تفصيلا لمضمون قوله تعالى: * (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * (طه: 117) وتكرير لفظة فيها وإخراجها في صيغة النفي مكررة الأداة الإيماء إلى التعريض بأحوال الدنيا وأن لا بد من مقاساتها * (فيها) * لأنها خلقت لذلك وأن الجنة ما خلقت إلا للتنعم ولا يتصور فيها غيره.
وفي الانتصاف أن في الآية سريعا بديعا من البلاغة يسمى قطع النظير عن النظير، والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم ولو قرن كل بشكله لتوهم المقرونان نعمة واحدة، وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا فقال الكندي الأول: كأني لم أركب جوادا للذة * ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل * لخيلي كرى كرة بعد إجفال فقطع ركوب الجواد عن قوله لخيله: كرى كرة وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكأس مع التناسب وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها، وتبعه الكندي الآخر فقال: وقفت وما في الموت شك لواقف * كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة * ووجهك ضحاك وثغرك باسم وقد اعترض عليه سيف الدولة إذ قطع الشيء عن نظيره فقال له: إن كنت أخطأت بذلك فقد أخطأ امرؤ القيس بقوله وأنشد البيتين السابقين، وفي الآية سر لذلك أيضا زائد على ما ذكر وهو قصد تناسب الفواصل اه‍.
وقد يقال في بيتي الأول: إنه جمع بين ركوب الخيل للذة والنزهة وتبطن الكاعب للذة الحاصلة فيهما وجمع بين سبء الزق وقوله لخيله: كرى لما فيهما من الشجاعة، ثم ما ذكر من قصد تناسب الفواصل في الآية ظاهر في أنه لو عدل عن هذا الترتيب لم يحصل ذلك وهو غير مسلم.
وقرأ شيبة. ونافع. وحفص. وابن سعدان * (إنك) * بكسر الهمزة. وقرأ الجمهور بفتحها على أن العطف على أن لا تجوع وهو في تأويل مصدر اسم لأن وصحة وقوع ما صدر بأن المفتوحة إسما لأن المكسورة المشاركة لها في إفادة التحقيق مع امتناع وقوعها خبرا لها لما أن المحذور وهو اجتماع حر في التحقيق في مادة واحدة غير موجود فيما نحن فيه لاختلاف مناط التحقيق فيما في حيزها بخلاف ما لو وقعت خبرا فإن اتحاد المناط حينئذ مما لا ريب فيه، وبيانه على ما في إرشاد العقل السليم أن كل واحدة من الأداتين موضوعة لتحقيق
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»