تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٨٠
من * (القرون) * أو من مفعول * (أهلكنا) * أي أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم. واختار في البحر كونه حالا من الضمير في * (لهم) * مؤكدا للإنكار والعامل في " يهد " أي أفلم يهد للمشركين حال كونهم ماشين في مساكن من أهلكنا من القرون السالفة من أصحاب الحجر. وثمود. وقوم لوط مشاهدين لآثار هلاكهم إذا سافروا إلى الشام وغيره، وتوهم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة للقرون وليس كذلك، وقرأ ابن السميقع " يمشون " بالتشديد والبناء للمفعول أي يمكنون في المشي * (إن في ذالك) * تعليل للإنكار وتقرير للهداية مع عدم اهتدائهم. * (وذلك) * اشارة إلى مضمون قوله تعالى: * (كم أهلكنا) * الخ، وما فيه من معنى البعد للاشعار ببعد منزلته وعلو شأنه في بابه.
* (لآيات) * كثيرة عظيمة ظاهرات الدالالة على الحق، وجوز أن تكون كلمة في تجريدية كما فيل في قوله عز وجل: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * * (لأولى النهى) * أي لذوي العقول الناهية عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه هؤلاء المنكر عليهم من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغير ذلك من فنون المعاصي.
* (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى) * * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * كلام مستأنف سيق لبيان حكمة عدم وقوع ما يشعر به قوله تعالى: * (أفلم يهد لهم) * الآية من أن يصيبهم مثل ما أصاب القرون المهلكة والكلمة السابقة هي العدة بتأخير عذاب الاستئصال عن هذه الامة إما إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * (الأنفال: 33) أو لأن من نسلهم من يؤمن أو لحكمة أخرى الله تعالى أعلم بها أي لولا الكلمة السابقة والعدة بتأخير العذاب * (لكان) * أي عقاب جناياتهم * (لزاما) * أي لازما لهؤلاء الكفرة بحيث لا يتأخر عن جناياتهم ساعة لزوم ما نزل باضرابهم من القرون السالفة، واللزام إما مصدر لازم كالخصام وصف به للمبالغة أو اسم آلة كحزام وركاب والوصف به للمبالغة أيضا كلزاز خصم بمعنى ملح على خصمه.
وجوز أبو البقاء كونه جمع لازم كقيام جمع قائم وهو خلاف الظاهر * (وأجل مسمى) * عطف على * (كلمة) * كما أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة. والسدى أي لولا العدة بتأخير عذابهم والأجل المسمى لأعمارهم لما تأخر عذابهم أصلا، وفصله عما عطف عليه للمسارعة إلى بيان جواب لولا، والاشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ومراعاة فواصل الآي الكريم، وقيل: أي ولولا أجل مسمى لعذابهم وهو يوم القيامة.
وتعقب بأنه يتحد حينئذ بالكلمة السابقة فلا يصح إدراج استقلال كل منهما بالنفي في عداد نكت الفصل. وأجيب بأنه لا يلزم من تأخير العذاب عن الدينا أن يكون له وقت لا يتأخر عنه ولا يتخلف فلا مانع من الاستقلال. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أن الأجل المسمى هي الكلمة التي سبقت، وقيل: الأجل المسمى للعذاب هو يوم بدر. وتعقب بأنه ينافي كون الكلمة هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة. وأجيب بأن المراد من ذلك العذاب هو عذاب الاستئصال ولم يقع يوم بدر وجوز الزمخشري كون العطف على المستكن في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق تنزيلا للفصل بالخبر منزلة التأكيد أي لكان الأخذ العاجل والأجل المسمى لازمين لهم كدأب عاد. وثمود. وأضرابهم، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل، وأنت تعلم أن هذا لا يتسنى إذا كان * (لزما) * اسم ءالة للزوم التثنية حينئذ * (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن ءانآء اليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) *.
* (فاصبر على ما يقولون) * أي إذا كان الأمر على ما ذكر من أن
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»