تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٦١
فحالة يكونون فيها عميا وحالة يكونون فيها زرقا. وعن افراء المراد من * (زرقا) * عميا لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها، ووجه الجمع عليه ظاهر، وعن الإهري المراد عطاشا لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق، وقيل: يجعله أبيض، وجاء الأزرق بمعنى الأبيض ومنه سنان أزرق، وقوله: فلما وردنا الماء زرقا جمامه ويلائم تفسيره بعطاشا قوله تعالى على ما سمعت * (نسوق المجرمين إلى جهنم وردا) * (مريم: 86).
* (يتخ‍افتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا) * * (يتخافتون بينهم) * أي يخفضون أصواتهم ويخفونها لشدة هول المطلع، والجملة استئناف لبيان ما يأتون وما يذرون حينئذ أو حال أخرى من * (المجرمين) *، وقوله تعالى: * (إن لبثتم) * بتقدير قول وقع حالا من ضمير * (يتخافتون) * أي قائلين ما لبثتم في القبور * (إلا عشرا) * أي عشر ليال أو عشرة أيام، ولعله أوفق بقول الأمثل.
والمذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يؤتى بالتاء حكى الكسائي صمنا من الشهر خمسا، ومنه ما جاء في الحديث * (ثم أتبعه بست من شوال) * فإن المراد ستة أيام، وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة، ومرادهم من هذا القول استقصار المدة وسرعة انقضائها والتنديم على ما كانوا يزعمون حيث تبين الأمر على خلاف ما كانوا عليه من إنكار البعث وعده من قبيل المحالات كأنهم قالوا: قد بعثتم وما لبثتم في القبر إلا مدة يسيرة وقد كنتم تزعمون أنكم لن تقوموا منه أبدا، وعن قتادة أنهم عنوا لبثهم في الدنيا وقالوا ذلك استقصارا لمدة لبثهم فيها لزوالها ولاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وأيقنوا أنهم استحقوها على إضاعة الأيام في قضاء الأوطار واتباع الشهوات، وتعقب بأنهم في شغل شاغل عن تذكر ذلك فالأوفق بحالهم ما تقدم، وبأن قوله تعالى: * (لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) * (الروم: 56) صريح في أنه اللبث في القبور وفيه بحث.
وفي " مجمع البيان " عن ابن عباس. وقتادة أنهم عنوا لبثهم بين النفختين يلبثون أربعين سنة مرفوعا عنهم العذاب * (نحن أعلم بما يقولون) * أي بالذي يقولونه وهو مدة لبثهم.
* (نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) * * (إذ يقول أمثلهم طريقة) * أي أعدلهم رأيا وأرجحهم عقلا و * (إذ) * ظرف يقولون * (إن لبثتم إلا يوما) * واحدا وإليه ينتهي العدد في القلة.
وقيل: المراد باليوم مطلق الوقت وتنكيره للتقليل والتحقير فالمراد إلا زمنا قليلا، وظاهر المقابلة بالعشر يبعهد، ونسبة هذا القول إلى * (أمثلهم) * استرجاح منه تعالى له لكن لا لكونه أقرب إلى الصدق بل لكونه أعظم في التنديم أو لكونه أدل على شدة الهول وهذا يدل على كون قائله أعلم بفظاعة الأمر وشدة العذاب.
* (ويس‍الونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا) * * (ويسألونك عن الجبال) * السائلون منكرو البعث من قريش على ما أخرجه ابن المنذر عن ابن جريج قالوا على سبيل الاستهزاء كيف يفعل ربك بالجبال يوم القيامة، وقيل: جماعة من ثقيل، وقيل: أناس من المؤمنين * (فقل ينسفها ربي نسفا) * يجعلها سبحانه كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها، والفاء للمسارعة إلى إزالة ما في ذهن السائل من بقاء الجبال بناء على ظن أن ذلك من توابع عدم الحشر ألا ترى أن منكري الحشر يقولون بعدم تبدل هذا النظام المشاهد في الأرض والسموات أو للمسارعة إلى تحقيق الحق حفظا من أن يتوهم ما يقضي بفساد الاعتقاد.
وهذا مبني على أن السائل من المؤمنين والأول على أنه من منكري البعث، ومن هنا قال الإمام: إن مقصود السائلين الطعن في الحشر والنشر فلا جرم أمر صلى الله عليه وسلم بالجواب مقرونا بحرف التعقيب لأن تأخير البيان في
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»