هذه المسألة الأصولية غير جائز وأما تأخيره في المائل الفروعية فجائز ولذا لم يؤت بالفاء في الأمر بالجواب في قوله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) * (البقرة: 219) الآية، وقوله تعالى: * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) * (البقرة: 219) وقوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * (الأنفال: 1) وقوله سبحانه: * (يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير) * (البقرة: 220) إلى غير ذلك، وقال في موضع آخر: إن السؤال المذكور إما عن قدم الجبال أو عن وجوب بقائها وهذه المسألة من أمهات مسائل أصول الدين فلا جرم أمر صلى الله عليه وسلم أن يجيبه بالفاء المفيدة للتعقيب كأنه سبحانه قال: يا محمد أجب عن هذا السؤال في الحال من غير تأخير لأن القول بقدمها أو وجوب بقائها كفر، ودلالة الجواب على نفي ذلك من جهة أن النسف ممكن لأنه ممكن في كل جزء من أجزاء الجبل والحس يدل عليه فوجب أن يكون ممكنا في حق كل الجبل فليس بقديم ولا واجب الوجود لأن القديم لا يجوز عليه التغير والنسف انتهى.
واعترض بأن عدم جواز التغير والنسف إنما يسلم في حق القديم بالذات ولم يذهب أحد من السائلين إلى كون الجبال قديمة كذلك، وأما القديم بالزمان فلا يمتنع عليه لذاته ذلك بل إذا امتنع فإنما يمتنع لأمر آخر على أن في كون الجبال قديمة بالزمان عند السائلين وكذا غيرهم من الفلاسفة نظرا بل الظاهر أن الفلاسفة قائلون بحدوثها الزماني وإن لم يعلموا مبدأ معينا لحدوثها فتأمل، ثم إنه ذكر رحمه الله تعالى أن السؤال والجوال قد ذكرا في عدة مواضع من كتاب الله تعالى منها فروعية ومنها أصولية والأصولية في أربعة مواضع في هذه الآية وقوله تعالى: * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس) * (البقرة: 189) وقوله سبحانه: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * (الإسراء: 85) وقوله عز وجل: * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) * (النازعات: 42) ولا يخفى أن عد جميع ما ذكر من الأصولية غير ظاهر، وعلى تقدير ظهور ذلك في الجمع يرد السؤال عن سر اقتران الأمر بالجواب بالفاء في بعضها دون بعض.
وكون ما اقترن بالفاء هو الأهم في حيز المنع فإن الأمر بالجواب عن السؤال عن الروح إن كان عن القدم ونحوه فمهم كالأمر بالجواب فيما نحن فيه بل لعله أهم منه لتحقق القائل بالقدم الزماني للروح بناء على أنها النفس الناطقة كأفلاطون وأتباعه، وقد يقال: لما كان الجواب هنا لدفع السؤال عن الكلام السابق أعني قوله تعالى: * (يتخافتون بينهم) * (طه: 103) كأنه قيل كيف يصح تخافت المجرمين المقتضى لاجتماعهم والجبال في البين مانعة عن ذلك فمتى قلتم بصحته فبينوا لنا كيف يفعل الله تعالى بها؟ فأجيب بأن الجبال تنسف في ذلك الوقت فلا يبقى مانع عن الاجتماع والتخافت، وقرن الأمر بالفاء للمسارعة إلى الذب عن الدعوة السابقة، والآية التي لم يقرن الأمر فيها بالفاء لم تسق هذا المساق كما لا يخفى على أرباب الأذواق، وقال النسفي. وغيره الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا سألوك عن الجبال فقل، وهو مبني على أنه لم يقع السؤال عن ذلك كما وقع في قصة الروح وغيهرا فلذا لم يؤت بالفاء ثمة وأتى به هنا فيسألونك متمحض للاستقبال، واستبعد ذلك أبو حيان، وما أخرجه ابن المنذر عن ابن جريج من أن قريشا قالوا: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة فنزلت * (ويسألونك عن الجبال) * (طه: 105) الآية يدل على خلافه، وقال الخفاجي: الظاهر أنه إنما قرن بها هنا ولم يقرن بها ثمة للإشارة إلى أن الجواب معلوم له صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فأمر عليه الصلاة والسلام بالمبادرة إليه بخلاف ذلك انتهى.
وأنت تعلم أن القول بأن الجواب عن سؤال الروح، وعن سؤال المحيض ونحو ذلك لم يكن معلوما له صلى الله عليه وسلم قبل لم يتجاسر علمه أحد من عوام الناس فضلا عن خواصهم فما ذكره مما لا ينبغي أن يلتفت إليه.