تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٨
لنذرينه. وقرأت فرقة منهم عيسى بضم السين. وقرأ ابن مقسم * (لننسفنه) * بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين * (في اليم) * أي في البحر كما أخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وأخرج عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسره بالنهر، وقوله تعالى: * (نسفا) * مصدر مؤكد أي لنفعلن به ذلك بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر ولا يصادف منه شيء فيؤخذ، ولقد فعل عليه السلام ما أقسم عليه كله كما يشهد به الأمر بالنظر، وإنما لم يصرح به تنبيها على كمال ظهوره واستحالة الخلف في وعده المؤكد باليمين، وفي ذلك زيادة عقوبة للسامري وإظهار لغباوة المفتتنين، وقال في البحر بيانا لسر هذا الفعل: يظهر أنه لما كان قد أخذ السامري القبضة من أثر فرس جبريل عليه السلام وهو داخل البحر ناسب أن ينسف ذلك العجل الذي صاغه من الحلى الذي كان أصله للقبط وألقى فيه القبضة في البحر ليكون ذلك تنبيها على أن ما كان به قيام آل إلى العدم وألقى في محل ما قامت به الحياة وأن أموال القبط قذفها الله تعالى في البحر لا ينتفع بها كما قذف سبحانه أشخاص مالكيها وغرقهم فيه ولا يخفى ما فيه.
* (إنمآ إل‍اهكم الله الذى لاإل‍اه إلا هو وسع كل شىء علما) * * (إنما إلهكم الله) * استئناف مسوق لتحقيق الحق إثر إبطال الباطل بتلوين الخطاب وتوجيهه إلى الكل أي إنما معبودكم المستحق للعبادة هو الله عز وجل * (الذي لا إل‍اه إلا هو) * وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية. وقرأ طلحة * (الله لاإله إلا هو الرحمن الرحيم رب العرش) * * (وسع كل شيء علما) * أي وسع علمه كل ما من شأنه أن يعلم فالشيء هنا شامل للموجود المعدوم وانتصب * (علما) * على التمييز المحول عن الفاعل، والجملة بدل من الصلة كأنه قيل: إنما إلهكم الذي وسع كل شيء علما لا غيره كائنا ما كان فيدخل فيه العجل الذي هو مثل في الغباوة دخولا أوليا.
وقرأ مجاهد. وقتادة * (وسع) * بفتح السين مشددة فيكون انتصاب * (علما) * على أنه مفعول ثان، ولما كان في القراءة الأولى فاعلا معنى صح نقله بالتعدية إلى المفعولية كما تقول في خاف زيد عمرا: خوفت زيدا عمرا أي جعلت زيدا يخاف عمرا فيكون المعنى هنا على هذا جعل علمه يسع كل شيء، لكن أنت تعلم أن الكلام ليس على ظاهره لأن علمه سبحانه غير مجعول ولا ينبغي أن يتوهم أن اقتضاء الذات له على تقدير الزيادة جعلا وبهذا تم حديث موسى عليه السلام، وقوله تعالى:
* (كذالك نقص عليك من أنبآء ما قد سبق وقد آتين‍اك من لدنا ذكرا) * * (كذالك نقص عليك) * كلام مستأنف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوعد الجميل بتنزيل أمثال ما مر من أنباء الأمم السالفة والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أو الكاف في محل نصب صفة لذلك المصدر أي نقص عليك * (من أنباء ما قد سبق) * من الحوادث الماضية الجارية على الأمم الخالية قصا كائنا كذلك القص المار أو قصا مثل ذلك، والتقديم للقصر المفيد لزيادة التعيين أي كذلك لا ناقصا عنه، و * (من أنباء) * إما متعلق بمحذوف هو صفة للمفعول أي نقص عليك نبأ أو بعضا كائنا من أنباء.
وجوز أن يكون في حيز النصب على أنه مفعول * (نقص) * باعتبار مضمونه أي نقص بعض أنباء، وتأخيره عن * (عليك) * لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، ويجوز أن يكون * (كذلك نقص) * مثل قوله تعالى: * (كذلك جعلناكم أمة وسطا) * على أن الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد، وقد مر تحقيق ذلك.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»