تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٠
حيث يفتحون همزة إن بعد القول مطلقا. والفاء في قوله تعالى: * (فاتبعوني وأطيعوا أمري) * لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أي إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين.
وقال ابن عطية: أي فاتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه، وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأمورا به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل: - ولا يخلو عن حسن - أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد الوهيته وعبادته.
* (قالوا لن نبرح عليه ع‍اكفين حتى يرجع إلينا موسى) * * (قالوا) * في جواب هارون عليه السلام * (لن نبرح عليه) * أي لا نزال على عبادة العجل * (عاكفين) * مقيمين * (حتى يرجع إلينا موسى) * الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام وماذا يقول فيه، وقيل: إنهم علق في أذهانهم قول السامري: * (هذا إلهكم وإله موسى فنسي) * فغيوا برجوعه بطريق التعلل والتسويف وأضمروا أنه إذا رجع عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون * (من قبل) * على معنى من قبل رجوع موسى، وذكر أن هذا الجواب يؤيده هذا المعنى لأن قولهم: * (لن نبرح) * الخ يدل على عكوفهم حال قوله عليه السلام وهم لم يعكفوا على عبادته قبل قول السامري وإنما عكفوا بعده.
وقال الطيبي: إن جوابهم هذا من باب الأسلوب الأحمق نقيض الأسلوب الحكيم لأنهم قالوه عن قلة مبالاة بالأدلة الظاهرة كما قال نمروذ في جواب الخليل عليه السلام: * (أنا أحيي وأميت) * (البقرة: 258) فتأمل، واستدل أبو حيان بهذا التغيي على أن - لن - لا تفيد التأبيد لأن التغي لا يكون إلا حيث يكون الشيء محتملا فيزال الاحتمال به.
وأنت تعلم أن القائل بإفادتها ذلك لا يدعي أنها تفيده في كل الموارد وهو ظاهر، وفي بعض الأخبار أنهم لما قالوا ذلك اعتزلهم هارون عليه السلام في اثني عشر ألفا وهم الذي لم يعبدوا العجل فلما رجع موسى عليه السلام وسمع الصياح وكانوا يسجدون إذا خار العجل فلا يرفعون حتى يخور ثانية، وفي رواية كانوا يرقصون عند خواره قال للسبعين الذين كانوا معه: هذا صوت الفتنة حتى إذا وصل قال لقومه ما قال وسمع منهم ما قالوا.
وقوله تعالى:
* (قال ياه‍ارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا) * * (قال) * استئناف نشأ من حكاية جوابهم السابق أعني قوله تعالى: * (ما أخلفنا موعدك) * الخ كأنه قيل: فماذا قال موسى لهارون عليهما السلام حين سمع جوابهم وهل رضي بسكوته بعد ما شاهد منهم ما شاهد؟ فقيل: قال له وهو مغتاظ قد أخذ بلحيته ورأسه * (يا ه‍ارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا) * بعبادة العجل ولم يلتفتوا إلى دليل بطلانها.
* (ألا تتبعن أفعصيت أمرى) * * (ألا تتبعن) * أي تتبعني على أن * (لا) * سيف خطيب كما في قوله تعالى: * (ما منعك ألا تسجد) * (الأعراف: 12) وهو مفعول ثاني لمنع وإذ متعلق بمنع، وقيل: بتتبعني، ورد بأن ما بعد - أن - لا يعمل فيما قبلها، وأجيب بأن الظرف يتوسع فيه ما لم يتوسع في غيره وبأن الفعل السابق لما طلبه على أنه مفعول ثان له كان مقدما حكما وهو كما ترى أي أي شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من أن تتبعني وتسير بسيري في الغضب لله تعالى والمقاتلة مع من كفر به وروي ذلك عن مقاتل، وقيل: في الإصلاح والتسديد ولا يساعده ظاهر الاعتذار، واستظهر أبو حيان أن يكون المعنى ما منعك من أن تلحقني إلى جبل الطور بمن آمن من بني إسرائيل، وروي ذلك عن ابن عباس
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»