تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٦٦
في مقابلة وهو مؤمن فيما بعد انتهى. قال صاحب الكشف: الظاهر مع الزمخشري والتقابل المعنوي كاف فإن الاعتراض لا يتقاعد عن الحال انتهى.
وأنت تعلم أن تفسير الظلم بالشرك مما لا يختص بتفسير الوجوه بالإشراف وجعل الجملة حالا بل يكون على الوجه الأول أيضا بناء على أن المراد بالمجرمين الكفار، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى: * (وقد خاب) * الخ خسر من أشرك بالله تعالى ولم يتب، وقال غير واحد: الظاهر أن أل للاستغراق أي خضعت واستسلمت جميع الوجوه. وقوله تعالى: * (وقد خاب) * الخ يحتمل الاستئناف والحالية، والمراد بالموصول إما المشركون وإما ما يعمهم وغيرهم من العصاة وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك دائمة وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت العقوبة إن عوقب. وقد تقدم لك معنى - الحي القيوم - في آية الكرسي. والظاهر أن قوله تعالى:
* (ومن يعمل من الص‍الح‍ات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) * * (ومن يعمل من الصالحات) * قسيم لقوله سبحانه: * (وعنت الوجوه) * (طه: 111) إلى آخر ما تقدم ولقوله عز وجل: * (وقد خاب من حمل ظلما) * على هذا كما صرح به ابن عطية. وغيره أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضا من الصالحات * (وهو مؤمن) * أي بما يجب الإيمان به. والجملة في موضع الحال والتقييد بذلك لأن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات * (فلا يخاف ظلما) * أي منع ثواب مستحق بموجب الوعد * (ولا هضما) * ولا منع بعض منه تقول العرب هضمت حقي أي نقصت منه ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما وهضم الطعام تلاشى في المعدة. روي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة أن المعنى فلا يخاف أن يظلم فيزاد في سيآته ولا أن يهضم فينقص من حسناته. والأول مروى عن ابن زيد، وقيل الكلام على حذف مضاف أي فلا يخاف جزاء ظلم وهضم إذ لم يصدر عنه ظلم، ولا هضم حق أحد حتى يخاف ذلك أو أنه أريد من الظلم والهضم جزاؤهما مجازا، ولعل المراد على ما قيل نفي الخوف عنه من ذلك من حيث إيمانه وعمله بعض الصالحات ويتضمن ذلك نفى أن يكون العمل الصالح مع الإيمان ظلما أو هضما.
وقيل: المراد أن من يعمل ذلك وهو مؤمن هذا شأنه لصون الله تعالى إياه عن الظلم أو الهضم ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه. فلا يرد ما قيل أنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه ولا يخفى عليك أن القول بحذف المضاف والتجوز في هذه الآية في غاية البعد وما قيل من الاعتراض قوي وما أجيب به كما ترى. ثم إن ظاهر كلام الجوهري أنه لا فرق بين الظلم والهضم، وظاهر الآية قاض بالفرق وكذا قول المتوكل الليثي: إن الأذلة واللئام لمعشر * مولاهم المتهضم المظلوم وممن صرح به الماوردي حيث قال الفرق بينهما أن الظلم منع الحق كله والهضم منع بعضه. وقرأ ابن كثير. وابن محيصن. وحميد * (فلا يخف) * على النهي. قال الطيبي قراءة الجمهور توافق قوله تعالى: * (وقد خاب) * الخ من حيث الأخبار وأبلغ من القراءة الأخرى من حيث الاستمرار والأخرى أبلغ من حيث أنها لا تقبل التردد في الإخبار.
* (وكذالك أنزلن‍اه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) * * (وكذالك) * عطف على * (كذلك نقص) * والإشارة إلى إنزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد المنبئة عما سيقع من أحوال القيامة وأهوالها أي مثل ذلك الإنزال * (أنزلناه) * أي القرآن كله وهو تشبيه
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»