تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٦٠
بذلك بعدما تقدم ثم قال: وكذلك ما قاله العلامة الطيبي من أن المعنى وأحزنهم حمل الوزر على أن * (حملا) * تمييز واللام في * (لهم) * للبيان لما ذكر من فوان فخامة المعنى، وأن البيان إن كان لاختصاص الحمل بهم ففيه غنية، وإن كان لمحل الأحزان فلا كذلك طريق بيانية، وإن كان على أن هذا الوعيد لهم فليس موقعه قبل يوم القيامة وأن المناسب حينئذ وزرا ساء لهم حملا على الوصف لا هكذا معترضا مؤكدا انتهى. ولا مجال لتوجيه الاتيان باللام إلى اعتبار التضمين لعدم تحقق فعل مما يلائم الفعل المذكور مناسبا لها لأنها ظاهرة في الاختصاص النافع والفعل في الحدث الضار، والقول بازديادها كما في * (ردف لكم) * أو الحمل على التهكم تمحل لتصحيح اللفظ من غير داع إليه ويبقى معه أمر فخامة المعنى، والحاصل أن ما ذكر لا يساعده اللفظ ولا المعنى، وجوز أن يكون * (ساء) * بمعنى قبح فقد ذكر استعماله بهذا المعنى وإن كان في كونه معنى حقيقيا نظر، و * (حملا) * تمييزا و * (لهم) * حالا و * (يوم القيامة) * متعلقا بالظرف أي قبح ذلك الوزر من جهة كونه حملا لهم في يوم القيامة وفيه ما فيه.
* (يوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) * * (يوم ينفخ في الصور) * منصوب بإضمار اذكر، وجوز أن يكون ظرف المضمر حذف للإيذان بضيق العبارة عن حصره وبيانه أو بدلا من * (يوم القيامة) * أو بيانا له أو ظرفا ليتخافتون، وقرأ أبو عمرو. وابن محيصن. وحميد * (ننفخ) * بنون العظمة على إسناد الفعل إلى الآمر به وهو الله سبحانه تعظيما للنفخ لأن ما يصدر من العظم عظيم أو للنافخ يجعل فعله بمنزلة فعله تعالى وهو إنما يقال لمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل: إنه يجوز أن يكون لليوم الواقع هو فيه. وقرىء * (ينفخ) * بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته؛ وقرأ الحسن. وابن عياض في جماعة * (في الصور) * بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف، والمراد به الجسم المصور. وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى: * (ثم نفخ فيه أخرى) * والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غي متكرر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق.
وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضا، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه * (ونحشر المجرمين يومئذ) * أي يوم إذ ينفخ في الصور، وذكر ذلك صريحا مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرأ الحسن * (يحشر) * بالياء والبناء للمفعول و * (المجرمون) * بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرىء أيضا * (يحشر) * بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين * (زرقا) * حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين، ولعله مجاز مشهور، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، وقال الشاعر: وما كنت أخشى أن تكون وفاته * بكفي سبنتي أزرق العين مطرق وكانوا يهجون بالزرقة كما في قوله:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر * الأكل ضبي من اللؤم أزرق وسئل ابن عباس عن الجمع بين * (زرقا) * على ما روى عنه وعميا في آية أخرى فقال: ليوم القيامة حالات
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»