السلام عن إظهار لين الجانب للكفرة فإن ذلك سبب لصدهم إياه عليه السلام كما في قوله: - لا أرينك ههنا - فإن المراد به نهي المخاطب عن الحضور لديه الموجب لرؤيته فكأنه قيل: كن شديد الشكيمة صلب المعجم حتى لا يتلوح منك لمن يكفر بالساعة وينكر البعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه، وفيه حث على الصلابة في الدين وعدم اللين المطمع لمن كفر * (واتبع هواه) * أي ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية فصده عن الإيمان * (فتردى) * أي فتهلك فإن الإغفال عن الساعة وعن تحصيل ما ينجي عن أحوالها مستتبع للهلاك لا محالة.
وذكر العلامة الطيبي أنه يمكن أن يحمل * (من لا يؤمن) * على المعرض عن عبادة الله تعالى المتهالك في الدنيا المنغمس في لذاتها وشهواتها بدليل * (واتبع) * الخ ويحمل نهي الصد على نهي النظر إلى متمتعاته من زهرة الحياة الدنيا ليكون على وزان قوله تعالى: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا) * (الحجر: 87، 88) الخ، ويحمل متابعة الهوى على الميل إلى الإخلاد إلى الأرض كقوله تعالى: * (ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) * (الأعراف: 176) يعني تفرغ لعبادتي ولا تلتفت إلى ما الكفرة فيه فإنه مهلك فإن ما أوليناك واخترناه لك هو المقصد الأسنى وفي هذا حث عظيم على الاشتغال بالعبادة وزجر بليغ عن الركون إلى الدنيا ونعيمها، ولا يخلو عن حسن وإن كان خلاف الظاهر. و * (تردى) * يحتمل أن يكون منصوبا في جواب النهي وأن يكون مرفوعا والجملة خبر مبتدأ محذوف أي فأنت تردى بسبب ذلك. وقرأ يحيى * (فتردى) * بكسر التاء.
* (وما تلك بيمينك ياموسى) * * (وما تلك بيمينك يا موسى) * شروع في حكاية ما كلفه عليه السلام من الأمور المتعلق بالخلق إثر حكاية ما أمر به من الشؤون الخاصة بنفسه. فما استفهامية في محل الرفع بالابتداء و * (تلك) * خبره أو بالعكس وهو أدخل بحسب المعنى وأوفق بالجواب و * (بيمينك) * متعلق بمضمر وقع حالا من * (تلك) * أي وما تلك قارة أو مأخوذة بيمينك والعامل فيه ما فيه من معنى الإشارة كما في قوله عز وجل حكاية * (وهذا بعلي شيخا) * (هود: 72) وتسميه النحاة عاملا معنويا.
وقال ابن عطية: تلك اسم موصول و * (بيمينك) * متعلق بمحذوف صلته أي وما التي استقرت بيمينك. وهو على مذهب الكوفيين الذين يقولون إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسما موصولا. ومذهب البصريين عدم جواز ذلك إلا في ذا بشرطه. والاستفهام تقريري وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بيان المراد منه.
* (قال هى عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مأرب أخرى) * * (قال هي عصاي) * نسبها عليه السلام إلى نفسه تحقيقا لوجه كونها بيمينه وتمهيدا لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السلام. واسمها على ما روي عن مقاتل نبعة. وكان عليه السلام قد أخذها من بيت عصى الأنبياء عليهم السلام التي كانت عند شعيب حين استأجره للرعي هبط بها آدم عليه السلام من الجنة وكانت فيما يقال من آسها. وقال وهب: كانت من العوسج وطولها عشرة أذرع على مقدار قامته عليه السلام. وقيل: اثنتا عشرة ذراعا بذراع موسى عليه السلام. وذكر المسند إليه وإن كان هو الأصل لرغبته عليه السلام في المناجاة ومزيد لذاذته بذلك. وقرأ ابن أبي إسحاق. والجحدري * (عصي) * بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم على لغة هذيل فإنهم يقلبون الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في " الصحيح ". قال شاعرهم: سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم * فتخرموا ولكل جنب مصرع وقرأ الحسن * (عصاي) * بكسر الياء وهي مروية عن أبي ابن إسحاق أيضا. وأبي عمرو، وهذه الكسرة