تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٧٧
ويحتمل أن يكون لعود غلبة الدهشة إليه عليه السلام، وزعم بعضهم أنه تعالى سأله عليه السلام ليقرره على أنها خشبة حتى إذا قلبها حية لا يخافها وليس بشيء، وعلى جميع هذه الأقوال السؤال واحد والجواب واحد كما هو الظاهر، وقيل: * (أتوكؤا عليها) * الخ جواب لسؤال آخر وهو أنه لما قال: * (هي عصاي) * قال له تعالى: * (فما تصنع بها؟ فقال: * (أتوكؤا عليها) * الخ، وقيل: إنه تعالى سأله عن شيئين عن العصا بقوله سبحانه * (وما تلك) * وعما يملكه منها بقوله عز وجل: * (بيمينك) * فأجاب عليه السلام عن الأول بقوله: * (هي عصاي) * وعن الثاني بقوله: * (أتوكؤا عليها) * الخ، ولا يخفى أن كلا القولين لا ينبغي أن يتوكأ عليهما لا سيما الأخير.
هذا واستدل بالآية على استحباب التوكؤ على العصا وان لم يكن الشخص بحيث تكون وترا لقوسه وعلى استحباب الاقتصاد في المرعى بالهش وهو ضرب الشجر ليسقط الورق دون الاستئصال ليخلف فينتفع به الغير.
وقد ذكر الإمام فيها فوائد سنذكر بعضها في باب الإشارة لأن ذلك أوفق به.
* (قال ألقها ياموسى) * * (قال) * استئناف مبني على سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل: فماذا قال الله عز وجل فقيل؟ قال: * (ألقها يا موسى) * لترى من شأنه ما ترى، والإلقاء الطرح على الأرض، ومنه قوله: فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالأياب المسافر وتكرير النداء لمزيد التنبيه والاهتمام بشأن العصا، وكون قائل هذا هو الله تعالى هو الظاهر، وزعم بعضهم أنه لا يجوز أن يكون القائل الملك بأمر الله تعالى وقد أبعد غاية البعد.
* (فألق‍اها فإذا هى حية تسعى) * * (فألقي‍اها) * ريثما قيل له ألقها * (فإذا هي حية تسعى) * تمشي وتنتقل بسرعة، والحية اسم جنس ينطلق على الصغير والكبير والأنثى والذكر، وقد انقلبت حين ألقاها عليه السلام ثعبانا وهو العظيم من الحيات كما يفصح عنه قوله تعالى: * (فإذا هي ثعبان مبين) * (الأعراف: 107) وتشبيهها بالجان وهو الدقيق منها في قوله سبحانه: * (فلما رآها تهتز كأنها جان) * (النمل: 10) من حيث الجلادة وسرعة الحركة لا من حيث صغر الجثة فلا منافاة، وقيل: إنها انقلبت حين ألقاها عليه السلام حية صفراء في غلظ العصا ثم انتفخت وغلظت فلذلك شبهت بالجان تارة وسميت ثعبانا أخرى، وعبر عنها بالاسم العام للحالين، والأول هو الأليق بالمقام مع ظهور اقتضاء الآية التي ذكرناها له وبعدها عن التأويل. وقد روي الإمام أحمد. وغيره عن وهب أنه عليه السلام حانت منه نظرة بعد أن ألقاها فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يرى يلتمس كأنه يبتغي شيئا يريد أخذه يمر بالضخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان نارا وقد عاد المحجن عرفا فيه شعر مثل النيازك وعاد الشعبتان فما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف.
وفي بعض الآثار أن بين لحييه أربعين ذراعا فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولي مدبرا ولم يعقب فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه سبحانه فوقف استحياء منه عز وجل ثم نودي يا موسى إلى ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف فأمره سبحانه وتعالى بأخذها وهو ما قص الله تعالى بقوله عز قائلا:
* (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى) * * (قال) * أي الله عز وجل، والجملة استئناف كما سبق * (خذها) * أي الحية وكانت على ما روي عن ابن عباس ذكرا، وعن وهب أنه تعالى قال له: خذها بيمينك * (ولا تخف) * منها، ولعل ذلك الخوف
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»