تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٦٩
ولذا زعم أهل ما وراء النهر من أهل السنة القائلين بقدم الكلام أن هذا الكلام الذي سمعه موسى عليه السلام حادث وهو صوت خلقه الله تعالى في الشجرة، وأهل البدعة أجمعوا على أن الكلام اللفظي حادث بيد أن منهم من جوز قيام الحوادث به تعالى شأنه ومنهم من لم يجوز، وزعم أن الذي سمعه موسى عليه السلام خلقه الله عز وجل في جسم من الأجسام كالشجرة أو غيرها.
وقال الأشعري: إن الله تعالى أسمع موسى عليه السلام كلامه النفسي الذي ليس بحرف ولا صوت ولا سبيل للعقل إلى معرفة ذلك، وقد حققه بعضهم بأنه عليه السلام تلقى ذلك الكلام تلقيا روحانيا كما تتلقى الملائكة عليهم السلام كلامه تعالى لا من جارحة ثم أفاضته الروح بواسطة قوة العقل على القوى النفسية ورسمته في الحس المشترك بصور ألفاظ مخصوصة فصار لقوة تصوره كأنه يسمعه من الخارج وهذا كما يرى النائم أنه يكلم ويتكلم، ووجه وقوف الشيطان المار في الخبر الذي سمعت ما فيه على هذا بأنه يحتمل أن يكون كذلك، ويحتمل أن يكون بالتفرس من كون هيئته عليه السلام على هيئة المصغي المتأمل لما يسمعه وهو كما ترى، وقد تقدم لك في المقدمات ما عسى ينفعك مراجعته هنا فراجعه وتأمل، واعلم أن شأن الله تعالى شأنه كله غريب وسبحان الله العزيز الحكيم * (فاخلع نعليك) * أزلهما من رجليك والنعل معروفة وهي مؤنثة يقال في تصغيرها نعيلة ويقال فيها نعل: بفتح العين أنشد الفراء: له نعل لا يطبي الكلب ريحها * وإن وضعت بين المجالس شمت وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك لما أنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ كما روي عن الصادق رضي الله تعالى عنه. وعكرمة. وقتادة. والسدي. ومقاتل. والضحاك. والكلبي، وروى كونهما من جلد حمار في حديث غريب. فقد أخرج الترمذي بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان على موسى عليه السلام يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف أي قلنسوة صغيرة وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار "، وعن الحسن. ومجاهد. وسعيد بن جبير. وابن جريج أنهما كانتا من جلد بقرة ذكيت ولكن أمر عليه السلام بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس.
وقال الأصم: لأن الحفوة أدخل في التواضع. وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين، ولا يخفى أن هذا ممنوع عند القائل بأفضلية الصلاة بالنعال كما جاء في بعض الآثار، ولعل الأصم لم يسمع ذلك أو يجيب عنه.
وقال أبو مسلم: لأنه تعالى أمنه من الخوف وأوقفه بالموضع الطاهر وهو عليه السلام إنما لبسهما اتقاء من الانجاس وخوفا من الحشرات، وقيل: المعنى فرغ قلبك من الأهل والمال. من الدنيا والآخرة.
ووجه ذلك أن يراد بالنعل كل ما يرتفق به، وغلب على ما ذكر تحقيرا، ولذا أطلق على الزوجة نعل كما في كتب اللغة، ولا يخفى عليك أنه بعيد وإن وجه بما ذكر وهو أليق بباب الإشارة، والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه السلام من موجبات الأمر ودواعيه، وقوله تعالى: * (إنك بالواد المقدس) * تعليل لموجب الخلع المأمور به وبيان لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها. روي أنه عليه السلام
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»