تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٣
مجال والله تعالى أعلم. وقيل: المراد بما يقول نفس القول المذكور لا مسماه، والمعنى إنما يقول هذا القول ما دام حيا فإذا فبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا رافضا له مفرد عنه.
وتعقب بأن هذا مبني على صدور القول المذكور عنه بطريق الاعتقاد وأنه مستمر على التفوه به راج لوقوع مضمونه ولا ريب في أن ذلك مستحيل ممن كفر بالبعث وإنما قال ما قال بطريق الاستهزاء.
وأجيب بأنا لا نسلم البناء على ذلك لجواز أن يكون المراد إنما يقول ذلك ويستهزىء ما دام حيا فإذا قبضناه حلنا بينه وبين الاستهزاء بما ينكشف له ويحل به أو يقال: إن مبنى ما ذكر على المجاراة مع اللعين كما تقدم.
ژقيل: المعنى نحفظ قوله لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به ويأتينا على فقره ومسكنته فردا من المال والولد لم نوله سؤله ولم نؤته متمناه فيجتمع عليه أمران أمران تبعة قوله ووباله وفقد المطموع فيه، وإلى تفسير الإرث بالحفظ ذهب النحاس وجعل من ذلك * (العلماء ورثة الأنبياء) * أي حفظة ما قالوه، وأنت خبير بأن حفظ قوله قد علم من قوله تعالى: * (سنكتب ما يقول) *.
وفي " الكشاف " يحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله تعالى مالا وولدا في الدنيا وبلغت به أشعبيته أن تألى على ذلك فقال سبحانه هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه منه في العاقبة ويأتينا غدا فردا بلا مال ولا ولد كقوله تعالى: * (لقد جئتمونا فرادى) * فما يجدي عليه تمنيه وتأليه انتهى، ولا يخفى أنه احتمال بعيد جدا في نفسه ومن جهة سبب النزول، والتكلف لتطبيقه عليه لا يقر به كما لا يخفى و * (فردا) * حال على جميع الأقوال لكن قيل. إنه حال مقدرة حيث أريد حرمانه عن المال والولد وإعطاء ذلك لمستحقه لأن الانفراد عليه يقتضي التفاوت بين الضال والمهتدي وهو إنما يكون بعد الموقف بخلاف ما إذا أريد غير ذلك مما تضمنته الأقوال لعدم اقتضائه التفاوت بينهما وكفاية فردية الموقف في الصحة وإن كانت مشتركة.
وزعم بعضهم أن الحال مقدرة على سائر الأقوال لأن المراد دوام الانفراد عن المال والولد أو عن القول المذكور والدوام غير محقق عند الإتيان بل مقدر كما في قوله تعالى: * (ادخلوها خالدين) * (الزمر: 73) ولا يخفى ما فيه.
* (واتخذوا من دون الله ءالهة ليكونوا لهم عزا) * * (واتخذوا من دون الله ءالهة) * حكاية لجناية عامة للكل مستتبعة لضد ما يرجون ترتبه عليها إثر حكاية مقالة الكافر المعهود واستتباعها لنقيض مضمونها أي اتخذ الكفرة الظالمون الأصنام أو ما يعمهم وسائر المعبودات الباطلة آلهة متجاوزين الله تعالى: * (ليكونوا لهم عزا) * أي ليتعززوا بهم بأن يكونوا لهم وصلة إليه عز وجل وشفعاء عنده.
* (كلا سيكفرون بعب‍ادتهم ويكونون عليهم ضدا) * * (كلا) * ردع لهم وزجر عن ذلك، وفيه إنكار لوقوع ما علقوا به أطماعهم الفارغة * (سيكفرون بعبادتهم) * أي ستجحد الآلهة عبادة أولئك الكفرة إياها وينطق الله تعالى من لم يكن ناطقا منها فتقول جميعا ما عبدتمونا كما قال سبحانه: * (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون) * (النحل: 86) أو ستنكر الكفرة حين يشاهدون عاقبة سوء كفرهم عبادتهم إياها كما قال سبحانه: * (لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) *.
ومعنى قوله تعالى: * (ويكونون عليهم ضدا) * على الأول على ما قيل تكون الآلهة التي كانوا يرجون أن تكون لهم عزا ضدا للعز أي ذلا وهوانا أو أعوانا عليهم كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»