تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٦٤
وإخوته وسائر آله سوى الأطفال ومعهم قواد الملك ومشايخ أهل مصر ودفنوه في المكان الذي أراد ثم رجعوا، وقد توهم إخوة يوسف منه عليه السلام أن يسيء المعاملة معهم بعد موت أبيهم عليه السلام فلماعلم ذلك منهم قال لهم: لا تخافوا إني أخاف الله تعالى ثم عزاهم وجبر قلوبهم ثم أقام هو وآل أبيه بمصر وعاش مائة وعشر سنين حتى رأى لافرايم ثلاثة بنين وولد بنو ماخير بن منشا في حجره أيضا، ثم لما أحس بقرب أجله قال لإخوته: إني ميت والله سبحانه سيذكركم ويردكم إلى البلد الذي أقسم أن يملكه إبراهيم وإسحق. ويعقوب فإذا ذكركم سبحانه وردكم إلى ذلك البلد فاحملوا عظامي معكم ثم توفى عليه السلام فحنطوه وصيروه في تابوت بمصر وبقى إلى زمن موسى عليه السلام فلما خرج حمله حسبما أوصى عليه السلام.
* (ذلك من أنبآء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) * .
* (ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من أنباء يوسف عليه السلام، وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا، والخطاب للرسو صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ وقوله تعالى: * (من أنباء الغيب) * الذي لا يحوم حوله أحد خبره، وقوله سبحانه: * (نوحيه إليك) * خبر بعد خبر أو حال من الضمير في الخبر، وجوز أن يكون * (ذلك) * اسما موصولا مبتدأ و * (من أنباء الغيب) * صلته و * (نوحيه إليك) * خبره وهو مبني على مذهب مرجوح من جعل سائر أسماء الإشارة موصولات. * (وما كنت لديهم) * يريد إخوة يوسف عليه السلام * (إذ أجمعوا أمرهم) * وهو جعلهم إياه في غيابة الجب * (وهم يمكرون) * به ويبغون له الغوائل، والجملة قيل: كالدليل على كون ذلك من أنباء الغيب وموحي إليه عليه الصلاة والسلام، والمعنى أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف عليه السلام حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب وهم يمكرون به، ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحدا سمع ذلك فتعلمته منه، وهذا من المذهب الكلامي على ما نص عليه غير واحد وإنماحذف الشق الأخير مع أن الدال على ما ذكر مجموع الأمرين لعلمه من آية أخرى كقوله تعالى: * (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل) * (هود: 49) وقال بعض المحققين: إن هذا تهكم بمن كذبه وذلك من حيث أنه تعالى جعل المشكوك فيه كونه عليه السلام حاضرا بين يدي أولاد يعقوب عليه السلام ماكرين فنفاه بقوله: * (وما كنت لديهم) * وإنما الذي يمكن أن يرتاب فيه المرتاب قبل التعرف هو تلقيه من أصحاب هذه القصة، وكان ظاهر الكلام أن ينفي ذلك فلما جعل المشكوك ما لا ريب فيه لأن كونه عليه الصلاة والسلام لم يلق أحدا ولا سمع كان عندهم كفلق الفجر جاء التهكم البالغ وصار حاصل المعنى قد علمتم يا مكابرة أنه لم يكن مشاهدا لمن مضى من القرون الخالية وإنكاركم لما أخبر به يفضي إلى أن تكابروه بأنه قد شاهد من مضى منهم، وهذا كقوله تعالى: * (أم كنتم شهداء أذوصاكم الله بهذا) * (الأنعام: 144) ومنه يظهر فائدة العدول عن أسلوب * (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك) * إلى هذا الأسلوب وهو أبلغ مما ذكر أولا، وذكر لترك ذلك نكتة أخرى أيضا وهي أن المذكور مكرهم
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»