تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٦٠
وما عطف عليه وإذا كانت ظرفية فهو غيرهما، ولم يصرح عليه السلام بقصة الجب حذرا من تثريب إخوته وتناسيا لما جرى منهم لأن الظاهر حضورهم لوقوع الكلام عقيب خرورهم سجدا ولأن الإحسان إنما تم بعد خروجه من السجن لوصوله للملك وخلوصه من الرق والتهمة واكتفاء بما يتضمنه قوله: * (وجاء بكم من البدو) * أي البادية، وأصله البسيط من الأرض وإنما سمي بذلك لأن ما فيه يبدو للناظر لعدم ما يواريه ثم أطلق على البرية مطلقا، وكان منزلهم على ما قيل: بأطراف الشام ببادية فلسطين وكانوا أصحاب إبل وغنم، وقال الزمخشري: كانوا أهل عمد وأصحاب مواض ينتقلون في المياه والمناجع. وزعم بعضهم أن يعقوب عليه السلام إنما تحول إلى البادية بعد النبوة لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من البادية. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كان يعقوب عليه السلام قد تحول إلى بدا وسكنها ومنها قدم على يوسف وله بها مسجد تحد جبلها: قال ابن الأنباري: إن بدا اسم موضع معروف يقال: هو بين شعب وبدا وهما موضعان ذكرهما جميل بقوله: وأنت الذي حببت شعبا إلى بدا * إلي وأوطاني بلاد سواهما فالبدو على هذا قصد هذا الموضع يقال: بدا القوم بدوا إذا أتوا بدا كما يقال: أغاروا غورا إذا أتوا الغور، فالمعنى أتى بكم من قصد بدا فهم حينئذ حضريون كذا قاله الواحدي في البسيط وذكره القشيري وهو خلاف الظاهر جدا * (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) * أي أفسد وحرش، وأصله منه نزغ الرابض الدابة إذا نسخها وحملها على الجري وأسند ذلك إلى الشيطان مجازا لأنه بوسوسته وإلقائه، وفيه تفاد عن تقريبهم أيضا تعظيما لأمر الإحسان لأن النعمة بعد البلاء أحسن موقعا. واستدل الجبائي والكعبي. والقاضي بالآية على بطلان الجبر وفيه نظر * (إن ربي لطيف لما يشاء) * أي لطيف التدبير له إذ ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته تعالى ويتسهل دونها كذا قاله غير واحد، وحاصله أن اللطيف هنا بمعنى العالم بخفايا الأمور المدبر لها والمسهل لصعابها، ولنفوذ مشيئته سبحانه فإذا أراد شيئا سهل أسبابه أطلق عليه جل شأنه اللطيف لأن ما يلطف يسهل نفوذه، وإلى هذا يشير كلام الراغب حيث قال: اللطيف ضد الكثيف ويعبر باللطيف عن الحركة الخفيفة وتعاطي الأمور الدقيقة فوصف الله تعالى به لعلمه بدقائق الأمور ورفقه بالعباد، فاللام متعلقة - بلطيف - لأن المراد مدبر لما يشاء على ما قاله غير واحد، وقال بعضهم إن المعنى لأجل ما يشاء، وهو على الأول متعد باللام وعلى الثاني غير متعد بها وقد تقدم آنفا ما في ذلك * (إنه هو العليم) * بوجوه المصالح * (الحكيم) * الذي يفعل كل شيء على وجه الحكمة لا غيره. روى أن يوسف طاف بأبيه عليهما السلام في خزائنه فلما أدخله خزينة القرطاس قال: يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى علي ثمان مراحل قال: أمرني جبريل قال: أو ما تسأله؟ قال: أنت أبسط مني إليه فسأله قال: جبريل عليه السلام الله تعالى أمرني بذلك لقولك: * (وأخاف أن يأكله الذئب) * قال: فهلا خفتني
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»