تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٥٤
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى * فكن حجرا من يابس الصخر جلمد ثم اتسع فيه فقيل فنده إذا ضعف رأيه ولامه على ما فعل؛ قال الشاعر: يا عاذلي دعا لومي وتفنيدي * فليس ما قلت من أمر بمردود وجاء أفند الدهر فلانا أفسده، قال ابن مقتل. دع الدهر يفعل ما أراد فإنه * إذا كلف الإفناد بالناس أفندا ويقال: شيخ مفند إذا فسد رأيه، ولا يقال: عجوز مفندة لأنها لا رأي لها في شبيبتها حتى يضعف قاله الجوهري وغيره من أهل اللغة، وذكره الزمخشري في " الكشاف " وغيره، واستغربه السمين ولعل وجهه أن لها عقلا وإن كان ناقصا يشتد نقصه بكبر السن فتأمل، وجواب * (لولا) * محذوف أي لولا تفنيدكم إياي لصدقتموني أو لقلت: إن يوسف قريب مكانه أو لقاؤه أو نحو ذلك، والمخاطب قيل: من بقي من ولده غير الذين ذهبوا يمتارون وهم كثير، وقيل: ولد ولده ومن كان بحضرته من ذوي قرابته وهو المشهور.
* (قالوا ت الله إنك لفى ضل‍الك القديم) * .
* (قالوا) * أي أولئك المخاطبون * (ت الله إنك لفي ضل‍الك القديم) * أي لفي ذهابك عن الصواب قدما بالإفراط في محبة يوسف والإكثار من ذكره والتوقع للقائه وجعله فيه لتمكنه ودوامه عليه، وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن الضلال هنا بمعنى الحب، وقال مقاتل: هو الشقاء والعناء، وقيل: الهلاك والذهاب من قولهم: ضل الماء في اللبن أي ذهب فيه وهلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير تفسيره بالجنون وهو مما لا يليق وكأنه لتفسير بمثل ذلك قال قتادة: لقد قالوا كلمة غليظة لا ينبغي أن يقولها مثلهم لمثله عليه السلام ولعلهم إنما قالوا ذلك لظنهم أنه مات.
* (فلمآ أن جآء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إنىأعلم من الله ما لا تعلمون) * .
* (فلما أن جاء البشير) * قال مجاهد. هو يهوذا. روي أنه قال لإخوته قد علمتم أني ذهبت إلى أبي بقميص الترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة فتركوه. وفي رواية عن ابن عباس أنه مالك بن ذعر والرواية الشهيرة عنه ما تقدم، و * (أن) * صلة وقد أطردت زيادتها بعد لما. وقرأ ابن مسعود وعد ذلك قراءة تفسير * (وجاء البشير من بين يدي العير) * * (ألقي‍ااه) * أي ألقى البشير القميص * (على وجهه) * أي وجه يعقوب عليه السلام، وقيل: فاعل * (ألقى) * ضمير يعقوب عليه السلام أيضا والأول أوفق بقوله: * (فألقوه) * على وجه أبي وهو يبعد كون البشير مالكا كما لا يخفى، والثاني قيل: هو الأنسب بالأدب ونسب ذلك إلى فرقد قال: إنه عليه السلام أخذه فشمه ثم وضعه على بصره * (فارتد بصيرا) * والظاهر أنه أريد بالوجه كله، وقد جرت العادة أنه متى وجد الإنسان شيئا يعتقد فيه البركة مسح به وجهه، وقيل: عبر بالوجه عن العينين لأنهما فيه، وقيل: عبر بالكل عن البعض * (وارتد) * عند بعضهم من أخوات كان وهي بمعنى صار - فبصيرا - خبرها وصحح أبو حيان أنها ليست من أخواتها - فبصيرا - حال، والمعنى أنه رجع إلى حالته الأولى من سلامة البصر.
وزعم بعضهم أن في الكلام ما يشعر بأن بصره صار أقوى مما كان عليه لأن فعيلا من صيغ المبالغة وما عدل من يفعل إليه إلا لهذا المعنى. وتعقب بأن فعيلا هنا ليس للمبالغة إذ ما يكون لها هو المعدول عن فاعل وأما * (بصير) * هنا فهو اسم فاعل من بصر بالشيء فهو جار على قياس فعل نحو ظرف فهو طريف ولو كان
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»