تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢١٢
لما جمع الفريقين في قوله سبحانه: * (وبرزوا لله جميعا) * (إبراهيم: 21) وذكر شيئا من أحوال الكفار ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة * (بإذن ربهم) * أي بأمره سبحانه أو بتوفيقه وهدايته جل شأنه، والجار والمجرور متعلق - بأدخل - على قراءة الجمهور. وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار مزيد اللطف بهم، وعلقه جماعة على القراءة الأخرى بقوله تعالى: * (تحيتهم فيها سلام) * أي يحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم. وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري وفعل عليه وهو غير جائز لما أن ذلك في حكم تقديم جزء من الشيء المرتب الأجزاء عليه. ورد بأن الظاهر أنه هنا غير منحل إليهما لأنه ليس المعنى المقصود منه أن يحيوا فيها بسلام، ولو سلم فمراد القائل بالتعلق التعلق المعنوي فالعالم فيه فعل مقدر يدل عليه * (تحيتهم) * أي يحيون بإذن ربهم.
وقال العلامة الثاني: الأظهر أن التقديم جائز إذا كان المعمول ظرفا أو شبهه وهو في الكلام كثير، والتقدير تكلف، وليس كل مؤول بشيء حكمه حكم ما أول به، مع أن الظرف مما يكفيه رائحة من الفعل لأن له شأنا ليس لغيره لتنزله من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيه وعدم انفكاكه عنه، ولهذا اتسع في الظروف ما لم يتسع في غيرها اه‍، وبالجواز أقول، وإنما لم يجعله المحققون متعلقا - بأدخل - على تلك القراءة مع أنه سالم من الاعتراض ومشتمل على الالتفات أو التجريد وهو من المحسنات لأن قولك: أدخلته بإذني ركيك لا يناسب بلاغة التنزيل، والالتفات أو التجريد حاصل إذا علق بما بعده أيضا.
وفي الانتصاف الصارف عن هذا الوجه هو أن ظاهر * (أدخل) * بلفظ المتكلم يشعر بأن إدخالهم الجنة لم يكن بواسطة بل من الله تعالى مباشرة وظاهر الإذن يشعر بإضافة الدخول إلى الواسطة فبينهما تنافر، واستحسن أن يعلق - بخالدين - والخلود غير الدخول فلا تنافر، وتعقبه في " الكشف " بأن ذلك لا يدفع الركاكة وكأنه لما أن الأذن للدخول لا للاستمرار بحسب الظاهر، وكون المراد بمشيئتي وتيسيري لا يدفع ذلك عند التأمل الصادق، فما ذهب إليه ابن جني واستطيبه الشيخ الطيبي وارتضاه ليس بشيء لمن سلم له ذوقه.
* (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السمآء) * .
* (ألم تر) * الخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وقيل: لمن يصلح له والفعل معلق بما بعده من قوله تعالى: * (كيف ضرب الله مثلا) * أي كيف اعتمله ووضعه في موضعه اللائق به * (كلمة طيبة) * نصب على البدلية من * (مثلا) * و * (ضرب) * متعدية إلى مفعول واحد كما ذهب إلى ذلك الحوفي. والمهدوي. وأبو البقاء، وهو على ما قيل: بدل اشتمال ولو جعل بدل كل من كل لم يبعد. واعترض عليه بأنه لا معنى لقولك ضرب الله كلمة طيبة إلا بضم * (مثلا) * إليه فمثلا هو المقصود بالنسبة فكيف يبدل منه غيره، ولا يخفى أن هذا بناءا على ظاهر قول النحاة: إن المبدل في نية الطرح وهو غير مسلم، وقوله سبحانه: * (كشجرة طيبة) * صفة * (كلمة) * أو خبر مبتدأ محذوف أي هي كشجرة، وجوز أن يكون كلمة منصوبا بمضمر و * (ضرب) * أيضا متعدية لواحد أي جعل كلمة ظيبة كشجرة طيبة أي حكم بأنها مثلها والجملة تفسير لقوله سبحانه: * (ضرب الله مثلا) * كقولك: شرف الأمير زيدا كساه حلة وحمله على فرس. وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه تكلف إضمار لا ضرورة تدعو إليه.
وأجاب عنه السمين بما فيه بحث، وجوز أيضا أن يكون ضرب المذكور متعديا إلى مفعولين إما لكونه
(٢١٢)
مفاتيح البحث: الصدق (1)، الضرب (7)، الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»