تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨٧
تعالى من شاء إضلاله وهدى من شاء هدايته حسبما اقتضته حكمته تعالى البالغة، والحذف للإيذان بأن مسارعة كل رسول إلى ما أمر به وجريان كل من الفعلين على سننه أمر محقق غني عن الذكر والبيان. وفي " الكشف " وجه التعقيب عن السابق كوجهه في قوله تعالى: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * على معنى أرسلنا الكتاب للتبيين فمنهم من نفعناه بذلك البيان ومنهم من جعلناه حجة عليه، والفاء على هذا تفصيلية، والعدول إلى صيغة الاستقبال لاستحضار الصورة أو الدلالة على التجدد والاستمرار حيث تجدد البيان من الرسل عليهم السلام المتعاقبة عليهم، وتقديم الإضلال على الهداية - كما قال بعض المحققين - إما لأنه إبقاء ما كان على ما كان والهداية إنشاء ما لم يكن أو للمبالغة في بيان أنه لا تأثير للتبيين والتذكير من قبل الرسل عليهم السلام وأن مدار الأمر إنما هو مشيئته تعالى بإيهام أن ترتيب الضلالة أسرع من ترتب الاهتداء، وهذا محقق لما سلف من تقييد الإخراج من الظلمات إلى النور بإذن ربهم * (وهو العزيز) * فلا يغالب في مشيئته تعالى * (الحكيم) * فلا يشاء ما يشاء إلا لحكمة بالغة، وفيه كما في " البحر " وغيره أن ما فوض إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام إنما هو التبليغ وتبيين طريق الحق، وأما الهداية والإرشاد إليه فذلك بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ثم إن هذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة من أن الضلالة والهداية بخلقه سبحانه، وقد ذكر المعتزلة لها عدة تأويلات، وللإمام فيها كلام طويل إن أردته فارجع إليه.
* (ولقد أرسلنا موسى بااي‍اتنآ أن أخرج قومك من الظلم‍ات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن فى ذالك لآي‍ات لكل صبار شكور) * .
* (ولقد أرسلنا موسى) * شروع في تفصيل ما أجمل في قوله تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4) الآية * (بآياتنا) * أي ملتبسا بها وهي كما أخرج ابن جرير. وغيره عن مجاهد. وعطاء. وعبيد بن عمير الآيات التسع التي أجراها الله تعالى على يده عليه السلام، وقيل: يجوز أن يراد بها آيات التوراة * (أن أخرج قومك) * بمعنى أي أخرج - فإن - تفسيرية لأن في الإرسال معنى القول دون حروفه أو بأن أخرج فهي مصدرية حذف قبلها حرف الجر لأن أرسل يتعدى بالباء، والجار يطرد حذفه قبل أن وأن، واتصال المصدرية بالأمر أمر مر تحقيقه. وزعم بعضهم أن * (أن) * هنا زائدة ولا يخفى ضعفه، والمراد من قومه عليه السلام كما هو الظاهر بنو إسرائيل ومن إخراجهم إخراجهم بعد مهلك فرعون * (من الظلم‍ات) * من الكفر والجهالات التي كانوا فيها وأدت بهم إلى أن يقولوا: * (يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) * (الأعراف: 138) * (إلى النور) * إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده وسائر ما أمروا به، وقيل: أخرجهم من ظلمات النقص إلى نور الكماب * (وذكرهم بأيام الله) * أي بنعمائه وبلائه كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، واختاره الطبري لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتي إن شاء الله تعالى من الكلام، والعطف على * (أخرج) * وجوز أن تكون الجملة مستأنفة، والالتفات من التكلم إلى الغيبة بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإيذان بفخامة شأنها والإشعار - على ما قيل - بعدم اختصاص ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومه كما يوهمه الإضافة إلى ضمير المتكلم، وحاصل المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد. وعن ابن عباس أيضا. والربيع. ومقاتل. وابن زيد المراد - بأيام الله - وقائعه سبحانه ونقماته في الأمم الخالية، ومن ذلك أيام العرب لحروبها وملاحمها كيوم ذي قار. ويوم الفجار. ويوم قضة. وغيرها، واستظهره الزمخشري للغلبة العرفية وأن العرب استعملته للوقائع، وأنشد الطبرسي
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»