تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨٣
بالخبر، وجوز أن يكون في موضع الحال على ما في الحواشي الهشابية و * (من) * بيانية، وجوز أن تكون ابتدائية على معنى أن الويل بمعنى عدم النجاة متصل بالعذاب الشديد وناشيء عنه، وقيل إن الجار متعلق: بويل على معنى أنهم يولولون من العذاب ويضجون منه قائلين يا ويلاه كقوله تعالى: * (دعوا هنا لك ثبورا) * (الفرقان: 13) ومنع أبو حيان وأبو البقاء ذلك لما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وهو لا يجوز، وقد مر قريبا في الرعد ما يتعلق بذلك فتذكر فما في العهد من قدم. وفي " الكشاف " أن * (من عذاب) * الخ متصل بالويل على معنى أنهم يولولون إلى آخر ما ذكرنا، وهو محتمل لتعلقه به ولتعلقه بمحذوف، واستظهر هذا في " البحر ". وفي " الكشف " أن الزمخشري لما رأى أن الويل من الذنوب لا من العذاب كما يرشد إليه قوله تعالى: * (فويل لهم مما كتبت أيديهم) * (البقرة: 79) وأمثاله أشار هنا إلى أن الاتصال معنوي لا من ذلك الوجه فإنه هناك جعل الويل نفس العذاب وهنا جعله تلفظهم بكلمة التلهف من شدة العذاب وكلاهما صحيح، ولم يرد أن هنالك فصلا بالخبر لقرب ما مر في قوله تعالى: * (سلام عليكم بما صبرتم) * اه‍.
واعترض عليه بأنه لا حاجة لما ذكر من التكلف لأن اتصاله به ظاهر لا يحتاج إلى صرفه للتلفظ بتلك الكلمة، و * (من) * بيانية لا إبتدائية حتى يحتاج إلى ما ذكر، ولا يخفى قوة ذلك وأنه لا يحتاج إلى التكلف ولو جعلت * (من) * ابتدائية فتأمل، والظاهر أن المراد بالعذاب الشديد عذاب الآخرة، وجوز أن يكون المراد عذابا يقع بهم في الدنيا.
* (الذين يستحبون الحيواة الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أول‍ائك فى ضل‍ال بعيد) * .
* (الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة) * أي يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليه من غيره، فالسين للطلب، والمحبة مجاز مرسل عن الاختيار والإيثار بعلاقة اللزوم في الجملة فلا يضر وجود أحدهما بدون الآخر كاختيار المريض الدواء المر لنفعه وترك ما يحبه ويشتهيه من الأطعمة اللذيذة لضرره، ولاعتبار التجوز عدى الفعل بعلى ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب بمعنى أجاب والفعل مضمن معنى الاختيار والتعدية بعلى لذلك * (ويصدون عن سبيل الله) * يعوقون الناس ويمنعونهم عن دين الله تعالى والإيمان به وهو الصراط الذي بين شأنه، والاقتصار على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوي على كل وصف جميل لزوم الاختصار.
وقرأ الحسن * (يصدون) * من أصد المنقول من صده صدود إذا تنكب وحاد وهو ليس بفصيح بالنسبة إلى القراءة الأخرى لأن في صده مندوحة عن تكلف النقل ولا محذور في كون القراءة المتواترة أفصح من غيرها، ومن مجيء أصد قوله: أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم * صدود السواقي عن أنوف الحوائم ونظير هذا وقفه وأوقفه * (ويبغونها) * أي يبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير أي يطلبون لها * (عوجا) * أي زيغا واعوجاجا وهي أبعد شيء عن ذلك أي يقولون لمن يريدون صده وإضلاله عن السبيل هي سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة، وقيل: المعنى يطلبون أن يروا فيها ما يكون عوجا قادحا فيها كقول من لم يصل إلى العنقود وليسوا بواجدين ذلك، وكلا المعنيين أنسب مما قيل: إن المعنى يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة. ومحل موصول هذه الصلات الجر على أنه بدل كما قيل من * (الكافرين) * فيعتبر كل وصف من أوصافهم بما يناسبه من المعاني المعتبرة في الصراط، فالكفر المنبىء عن الستر بإزاء كونه نورا، واستحباب
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»