تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٥
ذلك لأنها حيث اقتضت تزعزع الجبال وتقطع الأرض فلأن تقتضي موت الأحياء دون إحياء الأموات الذي يكون التكليم بعده من باب أولى وفيه نظر، والباء في المواضع الثلاثة للسببية وجوز في الثالث منها أن تكون صلة ما عندها وتقديم المجرور فيها على المرفوع لقصد الإبهام، ثم التفسير لزيادة التقرير على ما مر غير مرة.
و * (أو) * في الموضعين لمنع الخلو لا الجمع، والتذكير في * (كلم) * لتغليب المذكر من الموتى على غيره، واقتراحهم وإن كان متعلقا بمجرد ظهور مثل هذه الأفاعيل العجيبة على يده صلى الله عليه وسلم لا بظهورها بواسطة القرآن لكن ذلك حيث كان مبنيا على عدم اشتماله في زعمهم على الخوارق نيط ظهورها به مبالغة في شأن اشتماله عليها وأنه حقيق بأن يكون مصدرا لكل خارق وإبانة لركاكة رأيهم في شأنه الرفيع كأنه قيل: لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه من مقتضيات الحكمة لكان مظهرها هذا القرآن الذي لم يعدوه آية، وفيه من تفخيم شأنه العزيز ووصفهم بركاكة العقل ما لا يخفى كذا حققه بعض الأجلة وهو من الحسن بمكان، وعلى الثاني لو أن قرآنا فعلت به هذه الأفاعيل العجيبة لما آمنوا به كقوله تعالى: * (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى) * (الأنعام: 111) والكلام على ما استظهره الشهاب على التقديرين حقيقة على سبيل الفرض كقوله: ولو طار ذو حافر قبلها * لطارت ولكنه لم يطر وجعله على الأول تمثيلا كالآية المذكورة هناك على ما قال لا وجه له، وتمثيل الزمخشري بها لبيان أن القرآن يقتضي غاية الخشية، وصنيع كثير من المحققين ظاهر في ترجيح التقدير الأول، وفي " الكشف " لو تأملت في هذه السورة الكريمة حق التأمل وجدت بناء الكلام فيها على حقية الكتاب المجيد واشتماله على ما فيه صلاح الدارين وأن السعيد كل السعيد من تمسك بحبله والشقي كل الشقي من أعرض عنه إلى هواه حيث قال تعالى أولا: * (والذي أنزل إليك من ربك الحق) * (سبأ: 6) ثم تعجب من إنكارهم ذلك بقوله سبحانه: * (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية) * (الرعد: 27) ثم قال تعالى: * (له دعوة الحق) * (الرعد: 14) فأثبت حقيته بالحجة، ثم قال جلا وعلا: * (أنزل من السماء ماء) * (الرعد: 17) وهو مثل للحق الذي هو القرآن ومن انتفع به على ما فسره المحققون، ثم صرح تعالى بنتيجة ذلك كله بالبرهان النير في قوله سبحانه: * (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) * (الرعد: 19) ثم أعاد جل شأنه قوله: * (ويقول الذين كفروا) * دلالة على إنكارهم أول ما أتاهم وبعد رصانة علمهم بحقيته فهم متمادون في الإنكار، ثم كر إلى بيان الحقية فيما نحن فيه وبالغ المبالغة التي ليس بعدها سواء جعل داخلا في حيز القول أو جعل ابتداء كلام منه تعالى تذييلا وهو الأبلغ ليكون مقصودا بذاته في الإفادة المذكورة مؤكدا لمجموع ما دل عليه قوله تعالى: * (كذلك أرسلناك) * (الرعد: 30) من تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام وما أنزل عليه وشدة إنكارهم وتصميمهم لا علاوة في أن لم يبق إلا التوكل والصبر على مجاهدتكم إذ لا وراء هذا القرآن حتى أجيء به لتسلموا ثم فخمه ونعى عليهم مكابرتهم بقوله تعالى: * (وكذلك أنزلناه حكما عربيا) * (الرعد: 37) وأيد حقية الكتاب فيمن أنزل عليه في خاتمة السورة بقوله جل وعلا: * (كفى بالله) * إلى قوله سبحانه: * (علم الكتاب) * (الرعد: 43) تنبيها على أنه مع ظهور أمره في إفادة الحقائق العرفانية والخلائق الإيمانية لا يعلم حقيقة ما فيه إلا من تفرد به وبإنزاله تبارك وتعالى اه‍.
وفي سبب النزول وستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى ما يؤيد الثاني، والظاهر على حقيقة وأشرنا إليه أولا أن الآية على الأول متعلقة بقوله تعالى: * (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية) * (الرعد: 27) وهي على الثاني متعلقة بقوله سبحانه * (وهم يكفرون بالرحمن) * بيانا لتصميمهم في كفرهم وإنكارهم الآيات ومن أتى بها لا بذلك لبعد المرمى
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»