تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٩
اللفظ لا بخصوص السبب وعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق الفساق، وأجاب الإمام بأن الخلف غير وتخصيص العمول غير، ونحن لا نقول بالخلف ولكنا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو، وأنت تعلم أن المشهور في الجواب أن آيات الوعد مطلقة وآيات الوعيد وإن وردت مطلقة لكنها مقيدة حذف قيدها لمزيد التخويف ومنشأ الأمرين عظم الرحمة وغاية الكرم، والفرق بين الوعد والوعيد أظهر من أن يذكر. نعم قد يطلق الوعد على ما هو وعيد في نفس الأمر لنكتة وليتأمل فيما هنا على الوجه الذي تقرر.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثها كانوا بين غارة واختطاف وتخويف بالهجوم عليهم في دارهم. فالإصابة والحلول حينئذ من أحوالهم، وجوز على هذا أن يكون قوله تعالى: * (أو تحل) * خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرادا به حلول الحديبية، والمراد بوعد الله تعالى ما وعد به من فتح مكة. وعزا ذلك الطبري إلى ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. وروى عن مقاتل. وعكرمة. وذهب ابن عطية إلى أن المراد - بالذين كفروا - كفار قريش. والعرب، وفسر القارعة بما ينزل بهم من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن. وابن السائب أن المراد بهم الكفار مطلقا قالا: وذلك الأمر مستمر فيهم إلى يوم القيامة، ولا يتأتى على هذا أن يراد بالقارعة سرايا رسول الله عليه الصلاة والسلام فيراد بها حينئذ ما ذكر أولا، وأنت تعلم أنه إذا أريد جنس الكفرة لا يلزم منه حلول ما تقدم بجميعهم. وقرأ مجاهد. وابن جبري * (أو يحل) * بالياء على الغيبة، وخرج ذلك على أن يكون الضمير عائدا على القارعة باعتبارهم أنها بمعنى البلاء أو يجعل هائها للمبالغة أو على أن يكون عائدا على الرسول عليه الصلاة والسلام. وقرءا أيضا * (من ديارهم) * على الجمع.
* (ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) * * (ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا) * أي ركتهم ملاوة أي من الزمان ومنه الملوان في أمن ودعة كما يملي للبهيمة في المرعى، وهذا تسلية للحبيب صلى الله عليه وسلم عما لقي من المشركين من الاستهزاء به عليه الصلاة والسلام وتكذيبه وعدم الاعتداد بآياته واقتراح غيرها وكل ذلك في المعنى استهزاء ووعيد لهم، والمعنى أن ذلك ليس مختصا بك بل هو أمر مطرد قد فعل برسل جليلة كثيرة كائنة من قبلك فأمهلت الذين فعلوه بهم، والعدول في الصلة إلى وصف الكفر ليس لأن المملي لهم غير المستهزئين بل للإشارة إلى أن ذلك الاستهزاء كفر كما قيل. وفي الإرشاد لإرادة الجمع بين الوصفين أي فأمليت للذين كفروا بكفرهم مع استهزائهم لا باستهزائهم فقط * (ثم أخذتهم فكيف كان عقاب) * أي عقابي إياهم، والمراد التعجيب مما حل بهم وفيه من الدلالة على شدته وفظاعته ما لا يخفى.
* (أفمن هو قآئم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركآء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم فى الارض أم بظ‍اهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد) * * (أفمن هو قائم) * أي رقيب ومهيمن * (على كل نفس) * كائنة ما كانت * (بما كسبت) * فعلت من خير أو شر لا يخفى عليه شيء من ذلك ولا يفوته ما يستحقه كل من الجزاء وهو الله تعالى شأنه، وما حكاه القرطبي عن الضحاك من أن المراد بذلك الملائكة الموكلون ببني آدم فمما لا يكاد يعرج عليه هنا، و * (من) * مبتدأ والخبر محذوف أي كمن ليس كذلك، ونظيره قوله تعالى: * (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) * (الزمر: 22) وحسن حذفه المقابلة، وقد جاء مثبتا كثيرا كقوله تعالى: * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * (النحل: 17) وقوله سبحانه: * (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى) * (الرعد: 19) إلى غير ذلك، والهمزة للاستفهام الإنكاري، وإدخال الفاء قيل: لتوجيه الإنكار إلى توهم المماثلة غب ما علم مما فعل سبحانه بالمستهزئين من الإملاء والأخذ ومن
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»