تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٨
به موتانا فنزلت، وعلى هذا لا حاجة إلى الاعتذار في إسناد الأفاعيل المذكورة إلى القرآن كما احتيج إليه فيما تقدم، وعلى خبر الشعبي يراد من تقطيع الأرض قطعها بالسير، ويشهد للتفسير بما قدمنا أولا ما أخرجه أبو نعيم في الدلائل. وغيره من حديث الزبير بن العوام أنه لما نزلت * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي قبيس يا آل عبد مناف أني نذير فجاءته عليه الصلاة والسلام قريش فحذرهم وأنذرهم فقالوا، تزعم أنك نبي يوحي إليك وإن سليمان سخر له الريح والجبال وإن موسى سخر له البحر وإن عيسى كان يحيى الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا فنتخذ محارث فنزرع ونأكل وإلا فادع الله تعالى أن يحيى لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا وإلا فادع الله تعالى أن يجعل هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فإنك تزعم أنك كهيئتهم.
الخبر، وفيه فنزلت: * (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) * (الإسراء: 59) إلى تمام ثلاث آيات، ونزلت * (ولو أن قرآنا) * الآية هذا.
وعن الفراء أن جواب * (لو) * مقدم وهو قوله تعالى: * (وهم يكفرون بالرحمن) * (الرعد: 3) وما بينهما اعتراض وهو مبني - كما قيل - على جواز تقديم جواب الشرط عليه، ومن النحويين من يراه، ولا يخفى أن في اللفظ نبوة عن ذلك لكون تلك الجملة اسمية مقترنة بالواو، ولذا أشار السمين إلى أن مراده أن تلك الجملة دليل الجواب والتقدير ولو أن قرآنا فعل به كذا وكذا لكفروا بالحرمن، وأنت تعلم أنه لا فرق بين هذا وتقدير لما آمنوا في المعنى، وجوز جعل * (لو) * وصلية ولا جواب لها والجملة حالية أو معطوفة على مقدر.
* (ولا يزال الذين كفروا) * من أهل مكة على ما روى عن مقاتل * (تصيبهم بما صنعوا) * أي بسبب ما صنعوه من الكفر والتمادي فيه، وإبهامه إما لقصد تهويله أو استهجانه، وهو تصريح بما أشعر به بناء الحكم على الموصول من علية الصلة له مع ما في صيغة الصنع من الإيذان برسوخهم في ذلك * (قارعة) * من القرع وأصله ضرب شيء بشيء بقوة، ومنه قوله: ولما قرعنا النبع بالنبع بعضه * ببعض أبت عيدانه أن تكسرا والمراد بها الرزية التي تقرع قلب صاحبها، وهي هنا ما كان يصيبهم من أنواع البلايا والمصائب من القتل والأسر والنهب والسلب، وتقديم المجرور على الفاعل لما مر غير مرة من إرادة التفسير إثر الإبهام لزيادة التقرير والأحكام مع ما فيه من بيان أن مدار الإصابة من جهتهم أثر ذي أثير * (أو تحل) * تلك القارعة * (قريبا) * مكانا قريبا * (من دارهم) * فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها، شبه القارعة بالعدو المتوجه إليهم فأسند إليها الإصابة تارة والحلو أخرى ففيه استعارة بالكناية وتخييل وترشيح * (حتى يأتي وعد الله) * أي موتهم أو القيامة فإن كلا منهما وعد محتوم لا مرد له، وفيه دلالة على أن ما يصيبهم حينئذ من العذاب أشد، ثم حقق ذلك بقوله سبحانه: * (إن الله لا يخلف الميعاد) * أي الوعد كالميلاد والميثاق بمعنى الولادة والتوثقة، ولعل المراد به ما يندرج تحته الوعد الذي نسب إليه الإتيان لا هو فقط، قال القاضي: وهذه الآية تدل على بطلان من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده وهي وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بعموم
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»