تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٠
وأحب المؤمنين شاهدا وغائبا " فليس المراد منه تفسير المراد بذكر الله بل بيان أن الموصوفين بما ذكر من أحبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الخ، وهو كذلك إذ لا يكاد يتحقق الانفكاك بين هاتيك الصفات فليتأمل، ولا تنافي بين هذه الآية على سائر الأوجه وقوله تعالى: * (إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) * (الأنفال: 2) لأن المراد هناك وجلت من هيبته تعالى واستعظامه جلت عظمته. وذكر الإمام في بيان اطمئنان القلب بذكره تعالى وجوها فقال: إن الموجودات على ثلاثة أقسام: مؤثر لا يتأثر. ومتأثر لا يؤثر وموجود يؤثر ويتأثر فالأول: هو الله تعالى. والثاني: هو الجسم فإنه ليس له خاصية إلا القبول للآثار المتنافية والصفات المختلفة. والثالث: الموجودات الروحانية فإنها إذا توجهت إلى الحضرة الإلهية صارت قابلة للآثار الفائضة عليها منها وإذا توجهت إلى أعلام الأجسام اشتاقت إلى التصرف فيها لأن عالم الأرواح مدبر لعالم الأجسام فإذا عرف هذا فالقلب كلما توجه إلى مطالعة عالم الأجسام حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليه والتصرف فيه وإذا توجه إلى مطالعة الحضرة الإلهية وحصلت فيه الأنوار الصمدية فهناك يكون ساكنا مطمئنا، وأيضا أن القلب كلما وصل إلى شيء فإنه يطلب الانتقال منه إلى أمر آخر أشرف منه لأنه لا سعادة في عالم الجسم إلا وفوقها مرتبة أخرى أما إذا انتهى إلى الاستسعاد بالمعارف الإلهية والأنوار القدسية ثبت واستقر فلم يقدر على الانتقال من ذلك ألبتة لأنه ليس هناك درجة أخرى في السعادة أعلى منه وأكمل، وأيضا إن الإكسير إذا وقعت منه ذرة على الجسم النحاسي انقلب ذهبا باقيا على ممر الدهور صابرا على الذوبان الحاصل بالنار فاكسير نور الله تعالى إذا وقع في القلب أولى أن يقلبه جوهرا باقيا صافيا نورانيا لا يقبل التغير والتبدل، ولهذه الأوجه قال سبحانه: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * اه‍، والأولى أن يقال: إن سبب الطمأنينة نور يفيضه الله تعالى عن قلب المؤمنين بسبب ذكره فيذهب ما فيها من القلق والوحشة ونحو ذلك، وللمناقشة فيما ذكره مجال وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة ما يشبه ذلك.
* (الذين آمنوا وعملوا الص‍الحات طوبى لهم وحسن م‍ااب) * .
* (الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * بدل من * (القلوب) * أي قلوب الذين آمنوا، والأظهر أنه بدل الكل لأن القلوب في الأول قلوب المؤمنين المطمئنين وكذلك لو عمم القلب على معنى أن قلوب هؤلاء الأجلاء كل القلوب لأن الكفار أفئدتهم هواء، وأما الحمل على بدل البعض ليعمم القلب من غير الملاحظة المذكورة واستنباط هذا المعنى من البدل فبعيد، وأما احتماله لبدل الاشتمال وإن استحسنه الطيبي فكلا أو مبتدأ خبره الجملة الدعائية على التأويل أعني قوله سبحانه: * (طوبى لهم) * أي يقال لهم ذلك، أو لا حاجة إلى التأويل والجملة خبرية أو خبر مبتدأ مضمر أو نصب على المدح - فطوبى لهم - حال مقدرة والعامل فيها الفعلان.
وقال بعض المدققين: لعل الأشبه وجه آخر وهو أن يتم الكلام عند قوله تعالى: * (من أناب) * ثم قيل: * (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم) * (الرعد: 28) في مقابلة * (ويقول الذين كفروا لولا أنزل) * (الرعد: 27) وقوله سبحانه: * (ألا بذكر الله) * (الرعد: 28) جملة اعتراضية تفيد كيف لا تطمئن قلوبهم به ولا اطمئنان للقلب بغيره، وقوله عز وجل: * (الذين آمنوا) * بدل من الأول، وفيه إشارة إلى أن ذكر الله تعالى أفضل الأعمال الصالحة بل هو كلها و * (طوبى لهم) * خبر الأول فيتم التقابل بين القرينتين * (ويقول الذين كفروا) * و * (الذين آمنوا وتطمئن) * وبين جزئي التذييل: * (يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب) * (الرعد: 27) ومن الناس من زعم أن الموصول الأول مبتدأ والموصول الثاني
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»