تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٥٣
إعجازه فيصدقوا به لعلمهم بأفانين البلاغة ولا ينافي تلاوته عليهم بعد إسلامهم، وجوز في الجملة أن تكون مستأنفة الضمير حسبما علمت، وقيل: أنه يعود على الذين قالوا: * (لولا أنزل عليه آية من ربه) * (الرعد: 27) وقيل: يعود على * (أمة) * وعلى * (أمم) * ويكون في الآية تسلية له صلى الله عليه وسلم، وعن قتادة. وابن جريج. ومقاتل أن الآية نزلت في مشركي مكة لما رأوا كتاب الصلح يوم الحديبية وقد كتب فيه علي كرم الله تعالى وجهه * (بسم الله الرحمن الرحيم) * فقال: سهيل بن عمرو: ما نعرف الرحمة إلا مسيلمة، وقيل: سمع أبو جهل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا الله يا رحمن فقال إن محمدا ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إليهن فنزلت، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما قيل لكفار قريش: * (اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) * (الفرقان: 60)؟ فنزلت، وضعف كل ذلك بأنه غير مناسب لأنه يقتضي أنهم يكفرون بهذا الاسم وإطلاقه عليه سبحانه وتعالى والظاهر أن كفره بمسماه * (قل) * حين كفروا به سبحانه ولم يوحدوه * (هو) * أي الرحمن الذي كفرتم به * (ربي) * خالقي ومتولي أمري ومبلغي إلى مراتب الكمال، وإيراد هذا قبل قوله تعالى: * (لا إلاه إلا هو) * أي لا مستحق للعبادة سواه تنبيه على أن استحقاق العبادة منوط بالربوبية، والجملة داخلة في حيز القول وهي خبر بعد خبر عند بعض، وقال بعض آخر: إنه تعالى بعد أن نعى على الكفرة حالهم وعكسهم مقتضى العقل أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن ينبههم على خاصة نفسه ووظيفته من الشكر ومآل أمره تأنيبا لهم فقال: هو ربي الذي أرسلني إليكم وأيدني بما أيدني ولا رب لي سواه * (عليه) * لا على أحد سواه * (توكلت) * في جميع أموري لا سيما في النصرة عليكم * (وإليه) * خاصة * (متاب) * أي مرجعي فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم، وقوله سبحانه: * (لا إله إلا الله هو) * اعتراض أكد به اختصاص التوكل عليه سبحانه وتفويض الأمور عاجلا وآجلا إليه، ومثله قوله تعالى: * (اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) * (الأنعام: 106) اه‍ وإلى القول بالاعتراض ذهب " صاحب الكشف " حيث ذكر بعد * (هو ربي) * (الرعد: 30) الواحد المتعالي عن الشركاء فقال: جعله فائدة الاعتراض بلا إله إلا هو أي هذا البليغ الرحمة ولا إله إلا هو فهو بليغ الانتقام كما هو بليغ الرحمة يرحمني وينتقم لي منكم، وهو تمهيد أيضا لقوله: * (عليه توكلت) * ولم يجعل خبرا بعد خبر إذ ليس المقصود الأخبار بأنه تعالى متوحد بالإلهية بل المقصود أن المتوحد بها ربي وذلك يفيده الاعتراض؛ وأما أن المفهوم من كلامه أنه حال ولذلك أجرى مجرى الوصف فكلا إلا أن يجعل حالا مؤكدة ولا يغاير الاعتراض إذا كثير مغايرة لكن الأول أملأ بالفائدة اه‍ ولا يخفى ما في توجيه كلام الكشاف بذلك من الخفاء، وفي كون المقصود أن المتوحد بالإلهية ربي دون الأخبار بأنه تعالى متوحد بها على ماقيل تأمل. ولعل مبناه أن ما أثبته أوفق بالغرض الذي يشير كلامه إلى اعتباره مساقا للآية، وفيه من المبالغة في وصفه تعالى بالتوحد ما لا يخفى.
نعم قيل للقول بالاعتراض وجه وأنه حينئذ لا يبعد أن يقال: إنه تعالى بعد أن ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم إليهم وأن حالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة ولا يقابلون رحمته بالشكر فيؤمنوا به ويوحدوه أمره بالإخبار بتخصيص توكله واعتماده على ذلك البليغ الرحمة ورجوعه في سائر أموره إليه إيماء إلى أن إصرارهم على الكفر لا يضره
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»